• كيف سيدبر وليد ارهاق الاسود ؟
لم ينته المخاض المونديالي بعد، فأمام الأسود درج واحد لدخول التاريخ من بابه الواسع، والمركز الثالث بروح النحاسية المونديالية هو إنجاز إضافي فيما لو وصله الأسود بنغمة قتالية يراد منها إنهاء المسار بالشكل الذي سيدونه التاريخ كليا. ولا نعرف كيف سيرافق وليد الركراكي هذا المنصب بحكم أنه قرر تغيير التشكيل لمن لم ير نور التنافسية المونديالية، وبحكم تراكم الإصابات والإرهاق الشديد للوجوه الرسمية.
• من الجزئيات خسرنا
قد يكون اختيار إشراك الدولي غانم سايس مخطئا للغاية ولو أن وطنية اللاعب كانت بلا حدود في المغامرة بإصابته، مثلما كان إشراك مزراوي أيضا لنفس الغرض في ذات الشوط الفظيع على مستوى الهزات الدفاعية التي تلقاها الأسود في منظومة اللعب بخمسة مدافعين، والحال أننا خسرنا في شوط أول باهتزاز معنوي وشرود ذهني وخطإ جسيم في الرقابة، وبالتالي لم يكن حتى الخط الهجومي فعالا لقلة وصول الكرة للنصيري ومن دون أن يتلقى ولو نصف فرصة، ما يعني أن فرنسا جسدت نفس أسلحتنا التي لعبنا بها دفاعيا ومضادا، وكان من المفروض أن يغير وليد منظومته ويعود إلى شاكلته المعتادة بعد أن أدخل أملاح بديلا لسايس من أجل تغيير النهج، وبالتالي تغير واقع أداء الأسود واستشاظ غضبا للخسارة المسبقة وخلق فرصتين تدريجيا مع تظلم تحكيمي لعدم إعلانه ضربتي جزاء واضحتين دون أن يؤثر لاعبونا في الضغط على الحكم من أجل التقيد بالعودة إلى قاعة «ـڤار»، وبالتالي كان الأمر منهجيا للقول أن هناك مؤامرة لإجبار الأسود على الخسارة لدواعي عميقة، وربما سياسية أو تجارية محضة من أقوى الشركات العالمية التي تصرف الملايير على حدث كوني لا يمكن فيه أن يكون المغرب حاضرا في النهائي. وعلى كل، أبدع الأسود في إحراج فرنسا، ووضعها في حجمها الحقيق سيما في شوط ثاني ولا أروع إفتقد للأهداف وعدم فعالية حمد الله الذي أساء شخصيا لضياع فرصه وأنانيته، وبالتالي، أقصي الأسود في معركة كان فيها مخطئا على المستوى الدفاعي في الهدفين ومناحي أخرى يجب إصلاحها على مستوى التفاهم بين يميق وداري، وحتى الشرود الذهني لعطية الله لسوء الرقابة في الهدف الثاني.
• شرف عظيم
ولو خسرنا بالفعل، فقد كان الرجال عالميين في مونديال سجله التاريخ بالعناوين البارزة، ونالوا احترام العالم وتعلقوا بقلوب العرب والأفارقة ترسيخا للهوية في المربع العالمي ولأول مرة في تاريخ نشوء هذه الكأس ولقرن من الزمن. وهنا يمكن أن نكون سعداء بما تحصله الأسود من نتائج لم يكن ليتوقعها أحد على الإطلاق ليظل المغرب البلد الوحيد عربيا وإفريقيا موضوع حديث العالم. وبالطبع ربحنا مدربا عاميا وأسودا من القيمة العالية إمتزجت فيها روح البطولة، ودخلنا التاريخ بمعايير فوق الخيال. ويكفينا هذا الشرف لوصولنا إلى الأربع الأوائل في العالم.
• النحاسية في الانتظار
ولأن التاريخ إزداد حضورا للأسود محطما كل الأرقام القياسية للإنجازات المتتالية للأدوار وصولا إلى لقاء الترتيب، واستكملا للقاء السابع في التاريخ، يكون الأسود قد دونوا هذه الملحمة الفريدة من نوعها لكونه كسر قاعدة إجتياز سقف أربع لقاءات عالمية منذ 1986 إلى اليوم، وحري بنا أن نكون سعداء لهذه المزية التي لم يخلقها أي منتخب عربي ولا إفريقي على الإطلاق. وهنا تكبر المطامح أيضا للحصول على هذا الإنجاز الفريد من نوعه لأن لقاء السبت المقبل أمام كرواتيا كطرف في المعادلة، يمنحنا رؤية ختم المشوار بعين الصعود إلى بوديوم المحاس العالمي ولو أنه أمر صعب المنال في ظل إرهاق كبير للأسود وإصابات مختلفة تكسر المنظومة والتناغم، فسايس ومزراوي وربما حتى أكرد لن يحضروا جميعا لصعوبة المغامرة التي انتهت أصلا، وربما أيضا سيكون أملاح خارج السياق لأنه أكثر المصابين على مستوى الوسط موازاة مع إمكانية اراحة المحارب أمربط لان ثقل المونديال نزل عليه كألمع نجوم النسخة. وإلى هنا وكما قال وليد، سيعطي الأولوية لمن لم يلعبوا المونديال، ويحفزهم لدخول السياق المونديالي، وبالتالي سيكون من الصعب أيضا الحصول على الميدالية في ظل التغييرات الجديدة.
• ما هي الأدوات المشغلة؟
يبدو وليد أكثر إلحاحا على منح الأسبقية لمن لم يلعب المونديال، فربما منح الحراسة هذه المرة للتكناوتي، وقد يلعب بحكيمي كاختصاص وحيد ومن دون بديل، وقد يمنح الإشارة الدفاعية ليميق وبانون أو العكس مع داري، بينما تتوحد الصورة في الوسط في إشراك جبران لإراحة أمرابط، وصبيري والخنوس، مع أفضلية تدبير الخط الهجومي بإلياس شاعر يسارا مكان بوفال والزروري أو الزلزولي مكان زياش، بينما يرافق موقع القناص لشديرة من أجل منحه فرصة تغيير واقع الأنانية والإلتزام بالدور الجماعي. وطبعا هذه مجرد رؤية فنية للإختيارات بحكم أن وليد قال أنه سيعطي الأولوية للاعبين الذي لم يكسبوا أي وقت زمني من المباريات، وهي الأسماء التي أوردناها من قيمة جبران والزروري وشاعر والخنوس والتكناوتي، وبذلك، سيكون الركراكي قد أدار المونديال بكافة دولييه.
• كرواتيا واللقاء المكرر
وتظهر كرواتيا في خط النهاية هذه المرة مثلما بدأنا أمامها المشوار المونديالي، والواقع أن هذه المنتخب لا يريد أيضا نهاية مسار بلا ميدالية في عز الختام، فهو وصيف بطل العالم للنسخة الماضية، واليوم هو منتخب المربع الذهبي بميزة المنافسة على المركز الثالث كحق مشروع ماليا بالدرجة الأولى على اعتبار أن من يحتل المركز الثالث سينال 27 مليون دولار، بينما المركز الرابع حدد في 25 مليون دولار، ولهذه الغاية، يرى الكروات أن الحصول على المركز الثالث هو قيمة مادية ومعنوية أيضا، وهو نفس المصير الذي يراهن عليه وليد، ولو أن القراءات المختلفة للمباراة لا تستدعي تغييرا كبيرا في التشكيلة، ولكن تدريجيا في سياق من لم يلعب المونديال أساسا.
وكرواتيا ستتعامل مع هذه الخاصية المادية أولا، ومع جوهر التشكيل الذي يريد منه مودريتش إنهاء المسار المونديالي متوجا بالنحاس. وطبيعة اللقاء المكرر تستوجب تقييم ما لعب به الكروات امام المغرب في البداية، مقارنة مع ما يمكن أن يغير به المدرب أدواته المركزية بوجوه أيضا لم تلعب. وهنا سيكون الوسط أولا متغيرا لعدم حضور كوفاسفيتش لأنه موقوف من إنذارين، وقد يغير الحارس الرسمي لمنح الدور لمن يخلفه هو غربيتش، وقد يكون الأمر موصولا بخط الدفاع أيضا لمنح الصفة للدولي فيدا وأورليتش مع الإحتفاظ بالأظهرة الدفاعية جورانوفيتش وسوزا. فيما قد يعتمد على عيارات وسط إضافية لا راحة بورزفيتش المنهك بدنيا، فيما سيوظف نجمه بيرزيتش المعتاد مع إمكانية الزج بفلازيتش في الرواق الأيمن، وبودمير كقناص لم يلعب إلا لماما. وبالتالي، سنرى أيضا إنقلابا في التشكيلة الكرواتية لمن لم يحظ بتوقيت زمني للعب في المونديال.
• نقاش تكتيكي
وهذا الختام، يراد منه إنهاء المسار بجودة معنوية ومالية، لكون المونديال توقف لدى المغرب وكرواتيا في منحتى الثالث والرابع عالميا، وأيا كانت الرؤى، فما سيحصل عليه المغرب هو إنجاز عظيم سيسجل في التاريخ، ولكنه مؤشر لدخول كأس العالم القادمة بهذا النوع من التحدي الذي يغير العقلية المتوقفة على المشاركة. وما وصله الأسود أمر لا يصدق. وبالتالي وجب علينا التفكير في ملحمة المركز الثالث الذي ينهي به المشوار أولا قبل النظر إلى المستقبل. وعليه سيكون على وليد قراءة كرواتيا بروح أخرى غير البداية التي انطلق بها تكتيكيا بالصرامة الملزمة، وربما ستكون له رؤيا عملية لخلق تشكيل ملائم للحدث مع تمكين من لم يلعب المونديال من جانب آخر.
وكرواتيا ستتفاعل مع هذه الزاوية لمدربها المفترض أيضا أن يخرج من الباب الكبير، ولذلك سنرى مباراة مغايرة بين الطرفين تتلاحم فيها صور الإمتاع الكروي، وربما قد نشاهد مباراة مختلفة النوايا الهجومية للأسود على خلاف المباراة الأولى، ولكن الهدف يبقى هو الصراع القوي على عالمية الرتبة الثالثة.