منذ مشاركته التاريخية في كأس العالم 2022 بقطر، يعيش المنتخب المغربي طفرة نوعية غير مسبوقة، فقد أصبح المغرب أول منتخب عربي وأفريقي يصل إلى نصف نهائي المونديال، قبل أن يواصل سلسلة إنجازاته قاريا وعالميا عبر جميع الفئات السنية، من المنتخب الأول إلى الشباب، وكل ذلك تحت قيادة مدربين مغاربة، في وقت ما زالت فيه أغلب المنتخبات العربية تضع ثقتها في أسماء أجنبية.
منذ انطلاقة كأس العالم عام 1930 وحتى نسخة قطر 2022، لم ينجح أي مدرب أجنبي في رفع الكأس الذهبية.
تاريخ المسابقة حافل بأسماء من أبناء البلد الذين صنعوا المجد بأيديهم، من الإيطالي فيتوريو بوتزو إلى الأرجنتيني ليونيل سكالوني، ومن الفرنسي ديديي ديشان إلى الإسباني فيسنتي ديل بوسكي.
هذه القاعدة غير المكتوبة تؤكد أن الانتماء الوطني هو قوة خفية تمنح المدرب قدرة على مخاطبة وجدان لاعبيه، وفهم نفسياتهم، وقيادتهم في اللحظات الحرجة التي لا تقاس بالخطط التكتيكية وحدها.
صحيفة "أس" الإسبانية لخصت السر بقولها :
"المدرب الوطني يعيش مشاعر اللاعبين ويعرف تفاصيلهم النفسية، وهذا ما لا يستطيع المدرب الأجنبي تحقيقه مهما بلغت خبرته".
أما "فرانس فوتبول" فاعتبرت أن النجاح في المسابقات الكبرى "يتجاوز الجانب التكتيكي إلى فهم الثقافة الكروية للمجتمع".
• التجربة المغربية.. برهان عربي على القاعدة العالمية
لم تكن القاعدة حكرا على المنتخبات الكبرى في أوروبا وأميركا الجنوبية، بل أثبتت الكرة المغربية أن الانتماء يصنع الإنجاز حتى في العالم العربي.
فمن وليد الركراكي إلى طارق السكتيوي ومحمد وهبي ونبيل باها، برز جيل من المدربين المغاربة الذين قادوا منتخباتنا الوطنية إلى إنجازات تاريخية:
- المنتخب الأول: نصف نهائي مونديال قطر 2022، وتأهل مبكر إلى مونديال 2026 تحت قيادة الركراكي.
- المنتخب المحلي: لقب "الشان" ثلاث مرات (2018، 2022، 2025) بقيادة السكتيوي
- المنتخب الأولمبي: برونزية أولمبياد باريس 2024، وكأس أمم إفريقيا لأقل من 23 سنة (2023)
- منتخب الشباب: بطل العالم في الشيلي 2025 بقيادة محمد وهبي
- منتخب الناشئين: بطل إفريقيا 2025 تحت قيادة نبيل باها
تتجلى فلسفة النجاح المغربي في الاستثمار في الإنسان قبل الأسماء الأجنبية، من خلال تخطيط إستراتيجي واضح من الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم بقيادة فوزي لقجع.
• تكوين مدربين وطنيين بمستوى عال داخل أكاديمية محمد السادس
كما أظهرت التجربة المغربية أن الانتماء العاطفي يخلق وحدة نفسية يصعب تحقيقها عبر المدرب الأجنبي، لأن المدرب الوطني يتحدث لغة لاعبيه، ويعيش نبض الجماهير، ويدرك حجم الحلم المشترك، وهو ما جعل الركراكي يردد عبارته الشهيرة.
• النية، هي سرنا الأكبر
وربما لم تكن صدفة أن كل المنتخبات التي رفعت كأس العالم كان يقودها ابن البلد، في حين أصبح المغرب اليوم الوجه العربي الأبرز الذي أعاد إحياء هذه القاعدة التاريخية بإنجازاته الحديثة.
في زمن العولمة الكروية، تظل التجربة المغربية دليلا على أن الموهبة عندما تحتضن محليا، تثمر إنجازات عالمية.
إضافة تعليق جديد