كلما إحتاجته مباراة كوت ديفوار المصيرية من بطولية، من تلاحم جماعي ومن ترابط تكتيكي لا يبقي إلا القليل القليل من المساحات، أتى به الفريق الوطني بلاعبين أزاحوا ما جثم على القلوب من غمة وإستبسلوا في أداء الأدوار الإنتحارية التي تتطلبها هذه المباراة التي كان يجب أن نفوز أو نتعادل فيها قبل أن نلعبها، وماذا يهمنا كيف نلعبها إذا ما تحققت الغاية وبأجمل وأروع طريقة، غاية الفوز على فيلة لم نهزمهم منذ 23 سنة، وغاية الوصول إلى الدور ربع النهائي للمونديال الإفريقي الذي لم نصله منذ سنة 2004.
كان ضروريا أن يصعد أسود الأطلس الجبال الإيفوارية من دون أن يصيبهم الدوار، وكان ضروريا أن يقطعوا أميالا في زمن المباراة العصيب من دون أن يتيهوا، وكان حتميا أن يتركوا فوق أرضية الملعب كما هائلا من العرق، وقد فعلوا ذلك كله بسخاء الأبطال وبعزم الرجال، ليتمكنوا في النهاية من كتابة أول أسطر في ملحمة كروية طال إنتظارها.
عندما سئلت عن الخيار الأفضل الذي يجب أن يلعب عليه الفريق الوطني في مباراة كانت تعطيه الحق في خيارين إثنين، بخلاف المنتخب الإيفواري الذي ما كان يملك غير خيار الفوز، قلت أن الأفضل أن نلعب على الفوز حتى لا نقع في شرك الشتات، والفوز بطبيعة الحال لا يكون باللعب بهجومية مطلقة ولكن بالتلاعب بأعصاب المنتخب الإيفواري وبالإجادة في إستثمار المرتدات التي كان لزاما توقعها بخاصة عندما يعجز الفيلة عن التهديف مع بداية المباراة.
وقد كان رونار ماكرا عندما أوهم دوسويي الناخب الإيفواري بأنه سيلعب من أجل الفوز عندما قرر اللعب فعليا بشاكلة 3-5-2، فقد لجأ كما الحال في مباراة الطوغو إلى متغير بشري جوهري سيقلب وجه المباراة.
أمام صقور الطوغو لعب رونار بورقة فيصل فجر وكان لهذا اللاعب لمسة السحر في الأداء الرائع للفريق الوطني الذي توج بالفوز، وأمام فيلة كوت ديفوار لعب رونار بورقة يوسف النصيري أساسيا وهو الذي تعود اللعب به مقطعة غيار، فأكره الإيفواريين على إلتزام الحذر على مستوى الدفاع، وعندما تخلوا عن هذا الحذر الدفاعي، أدوا ثمن ذلك غاليا، إذ سيتمكن الفريق الوطني من صياغة مرتد يجب أن يدرس من كل نواحيه، مرتد أنهاه رشيد عليوي الورقة الأخرى التي رمى بها رونار لتعويض بوحدوز المصاب، بطريقة ستخلد في الذاكرة لأنه سيسجل بكل بساطة هدفا من أجمل ما شاهدناه حتى الآن في نهايات كاس إفريقيا للأمم.
لا أستطيع مهما أبدعت أن أعيد كتابة هذا الذي صنعه أسود الأطلس في هذه مباراة كوت ديفوار تحديدا، فمخطئ من كان يظن أننا نجحنا في الفوز على أسوأ نسخة للمنتخب الإيفواري، لقد كانت الفيلة الإيفوارية شرسة في تدبير النزال مع أسود ألأطلس، حركت الخراطيم والأنياب الضخمة ولجأت للسرعة القصوى لتشتيت ذهن الأسود وما إستطاعت، فالفريق الوطني بالمختصر المفيد كان مهيئا على كافة المستويات البدنية والذهنية والتكتيكية ليربح نزال العمر، وليصنع أخيرا لكرة القدم الوطنية العيد الذي بحثت عنه طويلا.