في عز الأزمات يولد الرجال وتصنع المعجزات..
وفي عز القهر تنتصر الإرادة ويوضع الإصرار وتحاكم العزائم والهمم.
في الإمتحان عز رونار ولم يهن ونجح في كسب رجال أكفاء ولاعبين نضجوا قبل الموعد وقلبوا المعطيات لصالحهم ليزيلوا كل آثار الخوف التي جثمت على الأنفاس جراء ما تراكم من إعاقات.
في المتابعة التالية نعرض لأهم الولادات التي ربحناها بدورة الغابون، ونشرح مقاصد الروح الذهنية التي إبتكرها رونار معيارا تصدر الجاهزية والتنافسية وقالت وقائع المباريات أنه كان على صواب.

«الغرينتا» والإصرار
في واحدة من المرات القليلة في السنوات الأخيرة تسنى للجمهور المغربي أن يطالع مشاهد ظلت غريبة عنه،حين تابع الأسود وهم يخوضون المباريات الثلاث بضراوة وندية قلما شاهدناها في أدائهم خلال المواسم والسنوات الأخيرة وهي الغرينطا التي كانت تنقص الأسود فيما مضى وخاصة في تظاهرة من حجم الكان بكل توابل القتالية والعراك التي تتطلبها.
«الغرينتا» حضرت في المباراة القفل وفي المباراة الأهم و المباراة التي تطلع لها المغاربة وأيديهم على قلوبهم وهم يواجهون بطل النسخة السابقة وكانت النقطة الواحدة تكفي لتأمين العبور والتأهل قبل أن يكشف لاعبو الفريق الوطني وخلافا للنسخ السابقة عن حس قتالي هو عز الطلب في مثل هذا النوع من المسابقات وهو ما كان ينقصنا في الموجهات القارية.
وإنضافت «لغرينتا» العناصر الوطنية إصرارهم الكبير وروح الإنتصار التي لخصتها صورة معبرة لمبارك بوصوفة وهو يذرف الدموع بعد هدف العليوي الأمر الذي يجعل هذا المعطى هو أجمل ولادة بالكان تتقدم على ما سواها.

الدفاع بهوية جديدة
منذ 2004 لم نألف حضور3 صوامع و3 كاسحات ألغام على قدر كبير من الكفاءة والإنسجام ولو مع ما تم تسجيله من مؤاخذات، كما صار لفريقنا الوطني اليوم.
مثلث الأمان الذي ذكرنا ب (نيبت وطلال ووادو) وهذه المرة حضر التآلف بجدار الكالشيو الفولاذي المهدي بنعطية مسنودا من مروان داكوسطا وخاصة الرائع رومان سايس. وهو معطى إنضاف لباقي الولادات في سياقها الجماعي قبل الخوض في الفرديات التي إنبثقت في حقل الفرح الغابوني في عز الأزمة التي يعرفها الجميع والمرتبطة بزلزال الإصابات المدمر الذي ضرب خط وسط الأسود قبل الإقلاع وأثار مخاوف كبيرة وبالجملة.
هذا الإكراه هو من دفع رونار لإستحضار السيناريو البديل والسيناريو المثالي لحالات الطوارئ بداية من مباراة ألبانيا الودية الشهيرة التي إستبق فيها هذا البلاء وليكرسه في الصيغة الرسمية منفردا على باقي المدربين بالكان بالعودة لـ 3ــ5 ــ2 التقليدية والتي تطابقت مع رهانات الأسود في هذه النسخة.

رومان القيصر الحقيقي
لوقت قصير لم يكن لمروان سايس وهو بصفوف نادي أونجي الفرنسي أي حضور بصفوف الفريق الوطني قبل أن يتذكره رونار ويمنحه الفرصة في وقت كان الناخب السابق قد تجاهله ولم يدخله ضمن خانة الإهتمام .
رومان سايس سيتفجر بالكان وحتى قبل الكان وبداية من مباراة ليبيا برادس في تصفيات الكان، وليبلغ قمة النضج في دورة الغابون وكأنه لاعب يمضي بصفوف الأسود 10 سنوات وأكثر.
ما قدمه رومان سايس بأناقته الكبيرة على مستوى المسح والتغطية وحتى المؤازرة الهجومية وإنضباطه التكتيكي الكبير وكذا إجادته لأدوار المساندة والتواجد بمعترك المنافس للتهديف، جعلنا نكتشف لاعبا كبيرا ومدافعا كنا نحتاجه ومنذ زمن طويل يجيد اللعب باليسرى ويتقلد أدوارا متنوعة تليق بكل الخطط ومنها دعم رواق منديل أو حتى التحول لليبرو وأحيانا التكفل بأدوار التغطية خلف ظهر الأحمدي في حال بارح وترك لاعب فينورد قواعده.
وفي نهاية المطاف وحتى وهو خارج التشكيلتين المثالية والإحتياطية للدور الأول فإن سايس هو قيصر دفاع الأسود في جولة المجموعات وبامتياز.

فيصل متعهد الأخطاء
إنتظر هيرفي رونار الكان ليطلع بلاعب جديد أخرجه من علبته السحرية وهو الذين تفطن كون الإصابات الثقيلة التي ضربت خط الوسط لا بد لها من لاعب غير معروف أو غير مراهن عليه، متحررا من كل ضغط ممكن ليباغت بورقة فيصل فجر الذي تعرفنا عليه فيما مضى إلا أنه  في الكان فجر كل ملكات الإبداع التي يملكها وعززها بما تسنى له من خصال ودهاء ومكر، موقنا أنه فرصته لمزاحمة بوصوفة على عديد الأدوار التي ظل هذا القيدوم يتقمصها فيما مضى.
فجر بزغ في مباراة الطوغو وهو الذي انطلق بـ 10 دقائق فقط في زاد الحضور في المباراة الأولى، وليأتي التتويج والإنصاف من الكاف التي منحته لقب رجل النزال واللاعب الذي أدرج إسمه ضمن إحتياطيي الدور الأول وبإمتياز كبير.
فجر قدم أوراق إعتماده متعهدا لضربات الأخطاء وبإجادة كبيرة وغير هذا يحسب للاعب حسن التمركز والنظرة الثاقبة للمساحات ودقة التمرير وهي مقومات جعلت الجمهور المغربي لا يذكر غياب بوفال أو حتى تجاهل زياش.

هجوم المداورة بعناصر المناورة
وكما كان الشأن على مستوى الشق الدفاعي فإن رونار حظر بدهاء كبير على مستوى التوظيف الهجومي وهو يزج بلاعبين وتارة بلاعب واحد في هذا المحور، سيخرج عصارة أفكاره وسيفاجئ منافسيه من خلال التنويع (مبدأ المداورة) الذي إنطلق في بداية الكان بالمناورة عن طريق بوحدوز وحيدا في الصندوق الصغير كما يطلق عليه المصريون ومدعوما من الخلف بمهاجم وهمي وهو عمر قادوري قبل أن ينهي النزال بـ 3 مهاجمين دفعة واحدة (العرابي و بوحدوز و النصيري).
وليظهر في نزال صقور الطوغو بغير هذا الشكل تاركا مساحة الدعم هذه المرة للنصيري الذي سيرد التحية بأول بصماته بالكان ومنه سيسلم المشعل رونار في ثالث المواعيد وكانت على درجة كبيرة من الأهمية للاعب العليوي والذي أنجز المهمة وعاد ليخرج في تغيير أراد من خلاله رونار إرعاب منافسيه ليقول لهم على طريقة تجنيد الكومندو«يدخل لمهمة محددة بدقة وبعدها الخروج»
النصيري، العليوي ثم بوحدوز والعرابي خارج سياق الرسمية هذه واحدة من ملكات وبنات أفكار رونار التي تفتقت في الدور الأول لتعطي أكلها ب 4 أهداف تناوب على تسجيلها كل من لاحت أمامهم فرصة الظهور بإستثناء العرابي بطبيعة الحال.

روح المجموعة أولا
في خرجاته وتصريحاته ظل رونار مصرا على إبعاد الثناء على لاعب بحد ذاته مركزا على المجموعة وروح المجموعة وكيان المجموعة التي جاءت لمهمة واحدة، الإنتصار لأفكار وقناعات الثعلب ومعها الرد على من شككوا فيما يمكن أن يأتيه كحلول في عز الأزمة القاهرة التي أعربت الجمهور المغربي وجعلته يتخوف أكثر في معسكر الإمارات والأسود يأتون بنسخة رتيبة لم تكن مطمئنة أمام منتخب متواضع وهو فنلندا حين تجرع رونار مرارة أول هزيمة له مدربا للأسود.
روم المجموعة إنضافت للخامات الفردية التي ربحناها للمستقبل (منديل والنصيري) وإتساع دائرة الإختيارات بالوسط (فجر الذي عزز هذه المساحة) ورجال هجوم لا وجود فيهم لنجم مطلق بخلاف ما كان في السابق بل رجال قرار تناط بهم مهام على مقاس خاص جدا بحسب طبيعة ونوعية المنافسين. وليكن كل هذا وفي خضم الإكراهات التي سبقت الإقلاع مؤشرات إيجابية على ما سيكون عليه الوضع مستقبلا.