لم يسلم المهدي بنعطية عميد أسود الأطلس إلى الآن من نقد مبرح يأتي في صور عديدة، فهو تارة يستهدف رصيده الدولي وهو تارة ثانية يحمله مسؤولية خروج الفريق الوطني من الدور ربع النهائي لكأس إفريقيا للأمم بالخسارة أمام مصر، وهو ثالثا يشكك في أن تكون له قيمة فعلية داخل دفاع الأسود بسبب كثرة الإصابات التي تغيبه عن المواعيد الكبرى.
ولئن توافقنا على أن المهدي بتعطية لم يكن في قمة مستوياته خلال المباريات الأربع التي خاضها الفريق الوطني بالغابون، فإن لذلك أسبابا ومبررات ودواعي تستطيع لوحدها أن ترفع عنه العتب وتبرأه من التهم الموجهة إليه من دون استحضار للوازع الأخلاقي والوطني.
وقد أمكن ل"المنتخب" أن تستطلع محيط الفريق الوطني بكافة مكوناته لتصل إلى حقائق كثيرة لو حضرت في ذهن كل من تحامل على بنعطية أو فكر في إدانته وجعله شماعة تعلق عليه الخسارة أمام فراعنة النيل، لاتقى الله فيما فعل وأعاد سيوف النقد القاطعة إلى أغمادها.

هل تذكرون لقاء الفيلة بمراكش؟
قبل أن يأتي بنعطية لمرافقة الفريق الوطني في مباراته المونديالية أمام المنتخب الإيفواري يوم السبت 12 نونبر 2016 بمراكش برسم الجولة الثانية من تصفيات كأس العالم 2018 والتي بدا فيها الفوز حاجة ملحة، خاض المهدي بنعطية لقاء مع ناديه جوفنتوس أمام كييفو فيرون يوم 6 نونبر 2016 شعر بوخز كبير على مستوى الركبة، وبدا وكأن الأمر يتعلق بواحدة من الإصابات العرضية التي يتعرض لها عميد الأسود، وهنا سيبذل الناخب الوطني جهودا مضنية لتجهيز المهدي لمباراة كوت ديفوار تحت ضغط من هذا الأخير الذي كان بمقدوره الإعتذار عن اللعب والعودة لإيطاليا بحجة أنه مصاب وله ما يثبت ذلك.
قاد بنعطية دفاع الفريق الوطني في تلك المباراة بلفة حول ركبته ونجح مع الأسود في الإبقاء على مرمى الفريق الوطني نظيفة في المباراة الإقصائية الثانية على التوالي بعد الأولى بالغابون، إلا أن ما حدث قبل وخلال المباراة وبعدها، فرض على الطاقم الطبي للفريق الوطني إخضاع ركبة بنعطية للكشف بالرنين المغناطيسي، وهو ما كان حيث توجه المهدي برفقة أحد أفراد الطاقم الطبي إلى عيادة متخصصة بمراكش لإنجاز الكشف الدقيق، ليتأكد أن بنعطية أصيب بالفعل على مستوى الركبة.
الكشف بالرنين أوضح قوة مصدر الأنين
كان لا بد من العودة لما يزيد عن العشر سنوات لنجد أن بنعطية خضع لعملية إزالة الغضروف للركبتين معا، وأنه بمرور عشر سنوات يتوجب أن تلقح الركبة أو تعقم بسائل يساعدها على أداء وظيفتها، وهو ما حدث بالفعل علما بأن هذا الإجراء الوقائي والتطبيبي تخضع له الركبة مرة كل سنتين، وهذا التدخل الطبي الذي كان بتنسيق كامل مع الطاقم الطبي لجوفنتوس هو ما عجل بعودة بنعطية للتو إلى ناديه جوفنتوس من دون أن يخوض مع الفريق الوطني مباراته الودية أمام الطوغو بمراكش يوم 15 نونبر 2016.
غيره كان سيعتذر..
والحقيقة أن عملية التعقيم تلك تفرض خضوع اللاعب لمدة من الراحة، لذلك كان يفضل في العادة أن تنجز في فترة التوقف الصيفي، وبحلول موعد نهائيات كأس إفريقيا للأمم بالغابون حضر بنعطية كالعادة مستعدا للتحدي وللتضحية أيضا، فما كانت الركبتان ترسلانه من إشارات، يستوجب تعبئة طبية كاملة، لذلك لا بد من الجزم بأن بنعطية كان له ألف سبب مشروع لكي يتخلف عن كأس إفريقيا للأمم ولا يعرض ركبة عليلة لصدمة جديدة يمكن أن تقضي على مشواره الكروي، إلا أنه أصر على البقاء مع الفريق الوطني مهما كلفه ذلك من ثمن، فهو على حبه الكبير للفريق الوطني، يحمل في قراراة نفسه وجعا قديما سببه ما يشاع عن شخصه باستمرار، عن علاقته بالفريق الوطني وعن محيطه العائلي. وقد بدا الرجل في عيون مدربه هيرفي رونار بطلا قوميا وفي عيون الأطباء رجل التحديات بامتياز.
لذلك تعبأ الفريق الطبي بالكامل لتجهيز بنعطية ولحمايته وأيضا لسرعة التدخل في حال ما حدث طارئ، والكل موقن أن لاعبا آخر بذات الوضعية ربما قرر الإعتذار عن دخول جحيم المباريات بخاصة وأن بعضها يجرى على ملاعب سيئة للغاية كما كان الحال في لقاء مصر ببورجونتي، وسنرى مقطعا من التدخلات الطبية السريعة قبل انطلاق مباراتنا أمام الطوغو عندما توقف بنعطية عن العمليات الإحمائية مع العناصر الوطنية وتوجه على التو لمستودع الملابس ليخضع لعملية إسعاف سريع ودقيق بعد أن شعر بما يشبه الوخز على مستوى الركبة.
رونار في قمة الإنبهار
لا خلاف على أن المهدي بنعطية لم يكن في مباراة مصر تحديدا بالمستوى المعروف عنه، ولذلك مبررات كثيرة عرضنا لبعضها، إلا أن المؤكد أن هيرفي رونار الناخب الوطني ألهمته الروح القيادية لبنعطية والشجاعة التي أبداها من أجل تقمص الدور، فما فكر لحظة واحدة في غض الطرف عنه، لقد أصر على أن يشركه في كل المباريات آخذا بعين الإعتبار الإصرار الذي يتملك بنعطية من أجل أن يتواجد مع الفريق الوطني في صنع لحظة تاريخية، مستعدا مثل أي محارب أن يقدم أي شيء، كل شيء من أجل نصرة الفريق الوطني.
وأبدا لا يفاجئنا هيرفي رونار وهو يثنى الثناء الكبير على بنعطية، بل وأن يستفزه كل من يتطاول بالنقد عليه، فهو من أطلع على حقيقة التضحيات التي يقدمها المهدي من أجل أن يتواجد بالقلب والوجدان مع الفريق الوطني.
هيفتي لا يجامل بنعطية
 لم يكن التصريح الذي أطلقه الدكتور هيفتي طبيب الفريق الوطني من الغابون، عندما قال أنه على مر كل السنوات التي قضاها مع الفريق الوطني لم ير لاعبا في شجاعة وإصرار واحترافية المهدي بنعطية، كلاما أطلق على عواهنه، بل إنه مؤسس على معاينة صادقة لا زيادة فيها، وما قاله رونار وقاله هيفتي وقاله زملاء بنعطية، يلخص حقيقة ما شاهدته أعين كل هؤلاء وما لم نقدر نحن أن نصل إليه من وراء الأبواب المغلقة لحجرات الملابس، ليتأكد بما لا يدع مجالا للشك أن المهدي بنعطية ما تملص يوما من تأدية الواجب الوطني وما دخل في حسابات ضيقة مع نفسه، لأنه يضع الفريق الوطني فوق كل إعتبار، ولأنه حريص كما قال دائما على إسعاد الجماهير المغربية، ومهما قسا عليه النقاد فإن ذلك لن يثنيه عن قيادة الأسود، تلك هي خصال القائد، وذاك هو بنعطية العميد والكبير والبريء حتى تثبت إدانته.