كما عهدناه بنفس التلقائية والعفوية، بل حتى بنفس الطيبة والأريحية إستقبلنا بالمعمورة، حيث يعسكر أسبوعيا ويرابط هناك راعيا أمينا لمنتخب أقل من 17 سنة
إنه الإطار الوطني الخلوق مصطفى مديح الذي فتح لنا قلبه ليحدثنا في هذا الحوار بصراحة كبيرة عن تجربته ومغامرته التي لم يسبق له وأن تعايش معها في السابق على رأس فئة قال أنها من أصعب الفئات على الإطلاق ووصف المهمة بالأمانة الثقيلة التي تطوقه بمسؤوليات كبيرة جدا، ومؤكدا على أنها الفئة التي ساهمت في تعزيز رصيده وجعلته يمضي واحدة من أروع وأكثر تجاربه التدريبية إثارة.

ــ المنتخب: سنة تقريبا على تعيينك بمنصبك مشرفا على منتخب أقل من 17 سنة، نود منك تقييما للمرحلة وأنت الذي قبلت بمهمة يجمع العارفون والخبراء على أنها معقدة وغير سهلة إطلاقا؟
مصطفى مديح: بكل تأكيد هي تجربة فريدة من نوعها والسنة التي مرت كانت غزيرة على مستوى النتائج والمحصلة والخلاصات لأنها عززت رصيدي وأفادتني بشكل كبير وجعلتني أطلع على مجال وفضاء حافل بالجديد ويتطلب شخصية قوية بكل المقاييس.
تذكرون أنه في أول حوار لي معكم بعد تعييني بمنصبي هذا كنت متوجسا ومتخوفا بعض الشيء لأنها تجربة جديدة علي وخاصة لأني سأتولى الإشراف على فئة حساسة ليس في عالم كرة القدم فحسب، بل في الحياة بشكل عام، وبعد كل هذه الفترة أعتقد أن تخوفاتي كانت في محلها لأن هذه المهمة تفرض علي اليقظة والتركيز ألف بالمائة وخاصة المواكبة والمصاحبة.

ــ المنتخب: ما الذي يجعل من هذا المنصب مثيرا لمشاعر مدرب بمثل خبرة وتجربة مديح الذي راكم من التجارب ما يجعله واثقا من النجاح؟
مصطفى مديح: قلت لك أنه ليس في عالم كرة القدم فحسب، بل في كل مجالات الحياة، هذا السن بين 17 و18 سنة يجب أن يحاط «هاد الوليدات» بالرعاية والعطف اللازمين وأن يكون المشرف عليهم صبورا ولبقا وأمينا والأكثر من هذا عادلا وصاحب ضمير.
هي مهنة تشبه دور المربي وزيادة على التدريب وما تعلمته طيلة هذه السنوات علي أن أكون الأب الثاني لهؤلاء والحريص كل الحرص على تتبع أمور أخرى غير كرة القدم والموهبة، والحمد لله ضميري مرتاح في هذا الصدد.

ــ المنتخب: ألم تكن لتجربتك السابقة مع المنتخب الأولمبي حاسمة لتفيدك وتسهل عليك بعض الأمور مثلا؟
مصطفى مديح: الأمر مختلف هنا، هناك فوارق بين تلك التجربة وتجربتي الحالية، هذه فئة أخرى ومغايرة وحتى الوقت تغير، وفي المنتخب الأولمبي يكون اللاعبون قد تدرجوا من فئة الشبان مثلا وكسبوا بعض النضج.
هذا الأمر غير موجود، لأنك تعرف كما يعرف الجمهور المغربي أن هناك إشكالا عويصا وكبيرا داخل الأندية مرتبط بالتكوين وهو إشكال يفرض علي أن أضيف من عندي وأن يكون اللاعبون بهذه الفئة داخل الفرق الوطنية جاهزون ومكتملون الأمر، غير المتاح وبالتالي أضاعف من مجهوداتي بالمركز.

ــ المنتخب: لمسنا بنية تحتية هائلة هنا بالمعمورة، لا شك أنها عامل مساعد لك ولعملك أو على الأقل حافزا للعمل بارتياح؟
مصطفى مديح: أنتم تعرفون أني لا أرمي أحدا بالورود لكنها الحقيقة، فما أنجزه السي فوزي لقجع رئيس الجامعة على مستوى تعزيز البنية التحتية الرياضية شيء فوق الخيال ويستحيل أن لا ننجح وفق هذا التطور ومع هذه الأوراش المفتوحة.
قلت للاعبين وأكررها أمامكم، منتخبات غينيا والبنين والكونغو والكونغو الديمقراطية وغيرها لا تتوفر على هذه المؤهلات والتجهيزات كي نقبل بتفوقها علينا، إذن هو دورنا كمؤطرين ومدربين، ودورنا أن نرتقي بارتقاء هذه التجهيزات التي تحفز على العطاء والإبداع بالفعل.

ــ المنتخب: رافقك للأسف إخفاق في تصفيات «الكان» الخاص بهذه الفئة، هل استوعبت الدرس حاليا وأنت الذي استأنست ربما بالأجواء وتمنيت لو عادت التصفيات من جديد؟
مصطفى مديح: ليس استيعابا للدرس لأننا في تلك الفترة كنت بالكاد قد عينت في المنصب وكانت الصعوبة قائمة وكبيرة للتعرف على لاعبي هذه الفئة وتجميعهم وإجراء مباريات ودية لربح الإنسجام والتناغم.
اليوم الأمر مختلف، نحس أننا نتطور كل يوم وبشكل كبير والأكثر من هذا التصفيات المقبلة ستكون بعد عام إن شاء الله وخلالها سنكون أكثر جاهزية والتقييم سيكون عادلا وموضوعيا.

ــ المنتخب: كيف تواكب مباريات لاعبي الفرق بالبطولة سواء الإحترافية أو بقسمها الثاني؟ وهل من مواكبة للمحترفين؟
مصطفى مديح: بطبيعة الحال هناك مواكبة للاعبين المحترفين وقبل أشهر حضر عدد هائل منهم رفقة أفراد أسرهم وقلت للجميع وبالصراحة المعهودة أنه لا يوجد فارق بينهم وبين المحليين إلا بالعرق والأداء وحب القميص الوطني.
مواكبتي كبيرة لكل مباريات الفرق التي يهمني لاعبوها، وأنا على تواصل مع مدربي هذه الأندية، وكل يوم أتعرف على المزيد والعائق الكبير الذي قلته لك في البداية هو أن هناك أزمة إسمها التكوين التي تفرض علي أن أضيف وأضاعف مجهوداتي.
أنا هنا على امتداد الأسبوع والتواجد بالمعمورة واللقاء بأفراد الإدارة التقنية لوضع خطط وبرامج المباريات الودية والمعسكرات يؤكد حجم التعب والمواكبة بخلاف ما يعتقده البعض.

ــ المنتخب: كيف تابعت مباريات الفريق الوطني بالكان؟
مصطفى مديح: صحيح أنه لنا تاريخ يؤكد أننا أبطال لإفريقيا في السابق وبلغنا النهائي ولنا مشاركات كثيرة، لكن نفس التاريخ يتحدث عن فشل في تجاوز الدور الأول منذ 13 سنة.
لهذا أرى أن المشاركة بالغابون كانت موفقة وخاصة من ناحية الروح الإنتصارية والصلابة والقتالية التي ميزت اللاعبين المحترفين، وهو ما كنا نحتاجه بالفعل، وكل الخير في هذا المنتخب مستقبلا إن شاء الله.
أنا مع طرح كون الكرة المغربية تستحق أكثر من مجرد التأهل للدور الثاني، لكن ما لمسناه من قتالية ومن إنصهار اللاعبين وحب القميص حرك المشاعر بكل تأكيد.

ــ المنتخب: لماذا تصر فرق البطولة على إدماج اللاعبين المخضرمين، ألا يرهقك هذا عند عملية الإختيار؟
مصطفى مديح: هذا أمر مزعج بالفعل وفرقنا وأنا من مر من تدريب عدة أندية تراهن وتؤمن دائما بالجاهز، لأن الجمهور والمسير يريدون النتائج الآنية.
لا يمكن أن أتدخل في اختصاصات أي مدرب، لكن حين ألمس هنا بالمعسكر أن لاعبا ما يملك مؤهلات محترمة أواكبه وديا مع مدرب ناديه وأقول له أنه يستحق أن ينال فرصة البقاء في سياق التنافسية وبشكل مستمر.

ــ المنتخب: كيف هي أوجه التعاون مع مدربي فرق البطولة؟
مصطفى مديح: كنت وما زلت صديقا للجميع والمدرب الذي يجيد الإنصات والتواصل ولست منغلقا ولا انطوائيا ولا حتى مستبدا على مستوى الأفكار والرأي.
تجمعني علاقة طيبة بكل المدربين ومتى سنحت فرصة ظهور للاعب مميز يخبروني أو متى تنقلت وتابعت هذا اللاعب واقتنعت به لا أتردد في السؤال المستمر عنه، لكن مرة أخرى أعيد التأكيد على أنها فئة تحتاج داخل فرقنا الوطنية لكوادر وأطر على درجة عالية من التأهيل.

ــ المنتخب: متى يقدم لنا مديح بذرة من بذرات الحقل الذي يشتغل عليه؟
مصطفى مديح: لهذا قلت لك أنها أمانة ثقيلة وأشتغل عليها بضمير وتركيز لأن هذا هو منتخب المستقبل إن شاء الله وعلي أن أكون أمينا في تخريج فوج وجيل يفيد الكرة المغربية والمنتخب الأول.
التوفيق كله من عند الله شخصيا لا أدخر جهدا في تسخير كل طاقاتي وخبرتي «لهاد الوليدات» يهمني أن أكون مساهما في بناء شخصيتهم وأخلاقهم وثقافتهم الكروية وهي مغامرة حلوة وطعمها مختلف بكل تأكيد وتشعرني بالفخر، وفواكه المعمورة و باقي المعسكرات كما سميتها ستجد طريقها من دون شك ذات يوم إن شاء الله للأسود شريطة التدرح والتنسيق بين كل المنتخبات.