المنتخب: بدرالدين الإدريسي

من أي زاوية يجب أن ننظر لوديتي الفريق الوطني أمام منتخبي الكوت ديفوار وغينيا واللتين أجريتا في توقيت زمني متقارب سيكون شبيها بالتوقيت الذي ستجري فيه مواجهتنا الحاسمة والمصيرية عن إقصائيات كأس العالم 2018 أمام غينيا الإستوائية شهر نونبر القادم؟
إن نظرنا إلى الوديتين من خلال المحصلة الرقمية، جزمنا بأنها لم تكن بالإيجابية التي إنتظرناها، بخاصة وأن الفوز في مثل هذه النزالات أمام منافسين يتفوقون علينا في التصنيفين العالمي وحتى الإفريقي، كان سيعطينا أجنحة للتحليق إلى درج عال في سلالم التصنيف، إضافة لما يشيعه في العادة الفوز من أجواء الثقة والتحفيز بين كل الأضلاع المكونة للفريق الوطني.
وإن نحن نظرنا للوديتين من زاوية ما تداعى من حقائق وما كان من دروس وعبر وبأي حجم جاءت الإستفادة، نستطيع القول أن الوديتين معا أفرزتا العديد من الحقائق التكتيكية التي لا يجب المكابرة ولا العناد في توصيفها أو حتى في إبرازها بالشكل الذي يساعد فعلا على بلوغ درجة متقدمة من الإستفادة.
بالقطع كانت في الوديتين أشياء إيجابية وأخرى سلبية، إفرازات رقمية وفنية بعضها يسعد ويفرح وبعضها الآخر يترح ويقلق، وإن كان القاسم المشترك في هذا الذي نشاهده مكرسا بوضوح من كل مباريات الفريق الوطني الأخيرة الرسمية والودية منها على حد سواء، هو أن الفريق الوطني يخرج معذبا من كهوف التواضع ومن صحاري التيه التي دخلها منذ أمد زمني ليس بالقصير، منذ أن تنازل يوما عن هوية اللعب مكرها أو راغبا في ذلك، الأمران سيان.
لقد تأكد بما لا يدع مجالا للشك أن الفريق الوطني برمته يستشعر كثيرا من المعاناة في تقديم نفسه بالصورة المثالية التي تتطابق مع حجم الرغبات الجماعية ومع حقيقة الإمكانات التقنية الفردية، لذلك لم يكن غريبا أن يعطينا الفريق الوطني في كل مباراة وجها يختلف عن الذي سبق، وكأني به يجعلنا في المباراة الواحدة نعيش الفصول الأربعة.
هي حالة من عدم النضج الجماعي والمقترنة بالنجاعة والسلاسة وقوة الشخصية، فمنذ وقت طويل جعل الفريق الوطني بينه وبين كبار القارة الإفريقية وتحديدا مع كرة المستوى العالي حجابا مانعا وحاجبا حتى للرؤية.
بالقطع ليس هذا خطاب تيئيس، بقدر ما هو مواجهة للنفس بالحقائق، فكما أن مباراة الكوت ديفوار في جولتها الأولى قدمت هذا الفريق الوطني بصورة يمكن أن نرضى عنها، بحكم أنه كانت هناك سيادة معقلنة مع توزع جيد فوق أرضية الملعب ومهارة جماعية في ترويض المنافس، فإن ذات المباراة كشفت عن عيب كبير، ضعف ووهن النجاعة الهجومية، فكيف نسيطر ونصنع الفرص ولا نسجلها، والذين توهموا أن يوسف العرابي كان المتهم الأول في ذلك فقد أظهرت مباراة غينيا أن المعضلة ليست في الأفراد ولكن في المنظومة الهجومية برمتها، فهناك باستمرار حاجة لأن نعقلن هذه المنظومة لنخلق العديد من الحلول الهجومية.
وربما كان من حسنات الوديتين أمام الفيلة وأمام منتخب السيلي أن الزاكي بادو وقف عند محدودية بعض الخيارات البشرية ووقف أيضا عند هشاشة بعض مرافق اللعب وعند التقاطع الذي يوجد في الكثافة الهجومية والذي لا يؤدي في الحالات الكبرى إلى ما هو منتظر منه.
لا أعتقد أننا كنا سنفرح بالفوز على كوت ديفوار أو غينيا وفي أدائنا الجماعي وطريقة لعبنا العشرات من العيوب التي يمكن أن نؤدي ثمنها غاليا عندما يحين وقت الجد، يوم ننازل المنتخب الغيني الإستوائي برسم تصفيات كأس العالم، فما لم تعطنا الحصيلة الرقمية من الوديتيتن، أعطانا إياه بسخاء مضمون المباراتين التكتيكي والإستراتيجي، فقد وقف الزاكي على كثير من المعطيات والحقائق وأصبح بمقدوره اليوم أن ينظر بنفس العين إلى النصف الممتلئ من الكأس وإلى النصف الفارغ أيضا، ليبادر إلى وضع المنظومة التكتيكية الأقوم والأسلم لمواجهة منتخب غينيا الإستوائية شهر نونبر القادم حيث سيرتفع الفوز والتأهل على ما عداه من إعتبارات.