كثيرة هي السيناريوهات التقنية التي يتخيلها أي مدرب وهو يدخل مباراة نهائية يقضي العرف الكروي على أنها تربح ولا تلعب، سيناريوهات في صورة متغيرات تكتيكية تطبع مباريات كالتي جمعت الرجاء البيضاوي بشبيبة القبائل الجزائري والتي تحسمها في كثير من الأحيان جزئيات صغيرة.
إلا أن مدرب الرجاء البيضاوي لسعد الشابي لعب على جزئية قوية تكسر في العادة ما تكون عليه المباريات النهائية من حذر مغالى فيه، تجسده قراءة النوايا التكتيكية لكل مدرب، لقد قرر من البداية أن يهاجم ويلغى فترة القراءة المتأنية والمراقبة الحذرة وكشف نوايا المنافس، وستخدم الظروف الرجاء كثيرا لأنه سيتمكن في أول ربع ساعة من المباراة من التقدم بهدفي كل من سفيان رحيمي وبين مالانغو، ما أحل بشبيبة القبائل ارتجاجا تكتيكيا، في صورة صفعة قوية لم يتخلص الفريق الجزائري من وجعها إلا وقد انقضى ثلث زمن المباراة.
بالطبع جاء الهدفان من جملتين تكتيكيتين باتتا محفوظتين عند النسور عن ظهر قلب، وما أعقبهما احتواء كبير من لاعبي الرجاء للسعار الذي تملك لاعبي القبائل، وقد أفاقوا من وقع صدمة البداية.
صحيح أن لاعبي شبيبة القبائل استحوذوا على الكرةوقبضوا على زمام المباراة، لكنهم في الحقيقة لم يوجعوا عنق الرجاء ولم ينجحوا في ضرب عمقه الدفاعي إلا مع بداية الشوط الثاني، حيث حالف الحظ لاعبي الشبيبة لتسجيل هدف من ارتباك دفاعي، هدف أيقظ القبائليين وجعلهم يؤمنون بقدرتهم على إعادة المباراة لنقطة الصفر، وهنا كان لزاما أن يبسط نسور الرجاء خبرتهم الكاملة التي تكونت لهم في مساراتهم الإفريقية المتعددة لتدبير مباراة من هذا النوع، لتسكين هذا الغليان الكبير الذي ظهر على منظومة لعب شبيبة القبائل.
وكانت الأمور تبدو مهيأة للرجاء بما يحتكم عليه من فرديات رائعة لأن يستغل مع تعاقب الدقائق واتساع مساحة المجازفة عند شبيبة القبائل، الإندفاع الكلي للمنافس ليجهز عليه بواحد من المرتدات القاتلة، لولا أن ما سيحدث بعد ذلك سيدخلنا قهرا إلى بؤرة الشك والألم مع توجيه الحكم الجنوب إفريقي فيكتور غوميز لبطاقة حمراء للاعب عمر العرجون، وقد دلته غرفة الفار على أن تدخله "العنيف" في حق أحد لاعبي شبيبة القبائل يستوجب الطرد وليس الإنذار.
سيترك عمر العرجون زملاءه يواجهون إعصارا كرويا قويا مدته 27 دقيقة باحتساب الوقت بدل الضائع، ولعلها من المشاهد الدالة على أن الرجاء البيضاوي الذي سافر للبنين على وقع الكثير من المواجع التي خلفتها الخسارة من الديربي أمام الغريم الوداد البيضاوي، يحتكم لرابطة نفسية قوية تجمع اللاعبين، ما جعلهم يتدبرون هذا النقص العددي، تارة بالإنكماش المعقلن الذي لا يبقي ثقبا واحدا في الجدار الدفاعي المنصوب، وتارة أخرى بالمناورة الهجومية حتى في ظل نقص عددي حتى لا يعطي لشبيبة القبائل الفرصة ليعلن على المباراة الإكتساح الفني والعددي. وبرغم أن لسعد الشابي استبدل الفنان والمايسترو عبد الإله الحافيظي بالسقاء الكونغولي فابريس نغوما، باستحضار الجانب الدفاعي الذي يحضر بشكل كبير في قوام وأداء اللاعب الكونغولي، إلا أن الرجاء كان بمقدوره في مناسبتين أن يقتل كل إثارة في الزمن المتبقي من خلال انفرادين، أحدهما كان أقوى وحضرت خلاله ردة فعل قوية من حارس مرمى الشبيبة.
ما كان يهم في النهاية هو أن يعتلي الرجاء أعلى منصة التتويج ويجلب لخزانته ولكرة القدم المغربية لقبا يقوي الرصيد ويزيد في إشعاع كرة القدم المغربية، وأظن أن الرجاء بكل مكوناته نجح في أن يبرز المنطق النسبي في كرة القدم، المنطق الذي يقول أن الرجاء مستحق للقب بقوة ما قدمه من أداء جماعي تجاوز بكثير كل من اقتسموا معه حلم التتويج، ومستحق للقب بقوة ما يملكه من شخصية ومن قدرة لا تجارى على السفر الإفريقي منذ أن عاد مجددا لمنصات التتويج قاريا سنة 2018، ومستحق أيضا للتميز الكبير الذي جعل أغلب المحللين يقولون أن هذا الرجاء في النهاية هو أكبر بكثير من مسابقة كأس الكونفدرالية.