هل كان وليد الركراكي، يحتاج إلى ما يوقظ أسوده، ليشعرهم بما ينتظرهم خلال الإستحقاق القاري القادم، الذي يدخلونه في ثوب المرشح للمنافسة على اللقب؟
بالطبع، نعم، فما أكبر البون والمسافات بين ما كان عليه الأمر في قطر خلال المونديال، وما سيكون عليه الحال في كوت ديفوار خلال كأس إفريقيا للأمم. البون ليس على مستوى البنى التحتية ولا على مستوى "البريستيج"، ولكن أيضا على مستوى الأجواء والمناخ وطبيعة التباري الإفريقي القائم على القوة والشراسة والعنف المغلف.
ولا أرى من حاجة لأن نغرق في التشاؤم، ولا أن نترك الحيرة تذهب بنا بعيدا لبحور الشك لترمينا، لمجرد أن فريقنا الوطني قدم خلال ودية كوت ديفوار عرضا سيئا، قرنه بالعديد من العيوب التي ظهرت فجأة، عندما قلبنا البوصلة في اتجاه جنوب الصحراء. لابد أن نشكر المنتخب الإيفواري، ولابد أن نسعد بما أفرزته ودية أبيدجان، لأنها ببساطة أزالت ما بقي في العيون من غشاوة، وأظهرت أن خبز الكان جاف لدرجة أنه يحتاج لأنياب قوية، فما هي يا ترى الخدمة التي قدمتها ودية أبيدجان لوليد الركراكي ولأسوده؟
أولا، أنها أظهرت أن اللاعبين بحاجة لأن يدخلوا أجواء الرهان الإفريقي، بتحسس كل صعوباته، من المناخ الرطب والجاف إلى التخلي كليا عن الرفاهية التي تعودوا عليها بخاصة في مونديالهم الأخير بقطر.
ثانيا، أنها كشفت عن العديد من العيون في نمط وشكل الأداء، ومن تلك العيوب الإصرار على بناء القناطر الصغيرة من دون قدر كاف من الجرأة والشراسة في حماية الملكية التكتيكية، ومنها أيضا الأخطاء المبالغ فيها عند التمرير في اللحظة التي يكون فيها لاعبونا تحت الضغط، ومنها أيضا الصعوبات التي استشعرها الأسود عند عملية الإسترجاع، بخاصة مع درجة السعار التي كان عليها لاعبو المنتخب الإيفواري، حتى أنهم أصابوا أسودنا بالإختناق.
ثالثا، أنها أظهرت كم هو صعب أن نتصور فريقنا الوطني من دون المحارب سفيان أمرابط، والأصعب منه أن نتخيل بأن نصير مزراوي هو أفضل بديل له، فإن نجح مزراوي نسبيا في تمثل دور الظهير الأيسر، فقد أكدت مباراة كوت ديفوار والطقوس الإفريقية التي ستتحكم في استحقاقنا القاري، أن مزراوي أبعد ما يكون هو الرجل الذي نحتاجه لتعويض سفيان أمرابط.
رابعا، يجب أن نفهم أننا لم نعد فقد رأسا مطلوب إسقاطها من كل المنافسين، ولكن أيضا أن طريقة لعبنا حفظت عن ظهر قلب، وقد يكون الخيار الأنسب لكل خصم، كما فعل المنتخب الإيفواري، أن يخنق شريان وسط الميدان ويضغط بقوة على دفاعنا ليصنع الفرص وليجرنا لمستنقعه القاتل.
أعود وأقول، لا يحق لنا أن نغضب لما شاهدناه من أسودنا هناك بأبيدجان، فما كان هو الضارة النافعة، على الأقل عرف الأسود في أي مستنقع سيسبحون في اتجاه شاطئ التتويج..
