تقول القاعدة الفقهية أنه لا اجتهاد مع النص، وما نطق به رونار ذات يوم حين أخذته حمية تواجد أسطول من المحترفين المغاربة بالليغا والكالشيو والبوندسليغا، ليس نصا بطبيعة الحال ولا هو بند في دستور يحتاج ملتمس رقابة كي يتم تعديله، لكن مقابله هناك مثل إسباني شهير متداول «الثور يربط من قرنه والرجل من لسانه»، وعندنا في المنطوق الدارج يقابل بـ «الرجل هو الكلمة»..
لذلك عدل رونار لاحقا عن كثير من قراراته وتراجع عن كثير من أقواله، وتخلى مكرها عن عديد المبادئ، وقلت يومها وبالدليل الموثق أنه ما كان شيء يرغم رونار ليتشدد في معاييره التي جعل منها وثيقة عبور جمركي لعرين الأسود، ولبوسا على مقاس فئة معينة من اللاعبين، لأن الأيام حناتة ولولا ذلك ما كانت تتداول بين الناس يوم لك وآخر عليك..
روح المجموعة وروح الفريق والتنافسية والجاهزية وأوروبا وبوصوفة الإستثناء وعديد الإصطلاحات التي كانت أقرب لفتاوي منها لمعايير دقيقة، رددها رونار وبالتدريج، وكما هو حال القانون نفسه والذي من أبرز سماته المرونة، لذلك يجرى تعويمه وتمطيطه في القضايا الكبيرة وكل يعجنه وفق القالب الذي يريده ووفق ما يخدم مآربه ومقاصده، لذلك كان يطل رونار كل مرة ليخبرنا أن ما كان صالحا بالأمس لم يعد كذلك اليوم، وما اعتقدناه معيارا قارا علينا لم يعد كذلك.
ولو اتفقنا مع الناخب الوطني على أنه لا يوجد ما يقيده بمعاييره الشهيرة، والتي لو طبقها اليوم لقاده الأمر لانتحار كلي وإفراغ العرين من أسوده المونديالية بالكامل، بعدما يمم لاعبوه وجوههم صوب المشرق في اعتمار جماعي.
لكن أن يعتقد رونار أنه للبعض منا ذاكرة أسماك تنسى بسرعة، حتى لا أعمم طالما أن هناك متطوعين يسبقونه لتبرير انقلابه في مواقفه حتي قبل أن ينبس بكلمة، ونحن لم نكن منهم بدليل ما قلناه له في الحوار الشهير ونحن نسائله عن سر تغيير قناعاته وقدمها يومها إجابته «لا يمكن أن أظل رهينة لمعايير لم تعد تتطابق مع المرحلة».
ما استفزني وأنا أتابع الخرجة الأخيرة لرونار هو مرافعته المطلقة عن النزوح الجماعي صوب السعودية وقطر، ومضيفا أن كل هؤلاء سيكونون أفضل في "الكان" وختمها بـ «وسترون بأعينكم»؟
رونار الذي هاجم أشهرا قليلة على تعيينه ناخبا وطنيا البطولة القطرية، وقال صوتا وصورة أنها بطولة ضعيفة بإيقاع هابط ومبارياتها تجرى وكأنها حصص تدريبية، قبل أن يعاين من مدرجات الملاعب الإماراتية بأم عينيه الدرس الكروي الذي قدمه العنابي للعالم ملخصا لمنتوج أسباير وبطولة المشاهير، اليوم يرى أن لا يضر الأمر شيئا إن انتقل بنعطية للعب هناك، بل ومثنيا عن تطور بطولات هذه المنطقة، ويا سبحان الله وكأن البطولة القطرية وشقيقتها في السعودية إنفجرت في عام وعامين وصارت اليوم تضاهي "الليغا" لا لشيء سوى أن رونار محرج بسبب تفضيل رجاله لاحتراف البترو-دولار..
وحين كان العرابي وحمد الله يكسران الأرقام هناك، كانت ضعيفة واليوم حين قصدها بنعطية تحسنت..
بل أن دليل ما قلته بشأن ذاكرة الأسماك، هو أن رونار كان يستثني عبد العزيز برادة والعدوة من دعواته وهما الأصغر سنا والأكثر حضورا وتنافسية يومها، ويستدعي بوصوفة بإسم «الفيطو» وبإسم فتوى الإستثناء، لأن بطولات الخليج لا تقنعه، وهو ما كشفه العدوة في الكويت ولأول مرة وتحفظ عنه طيلة هذه السنوات بقوله: «لقد زارني في الإمارات ويومها كنت قد لعبت 25 مباراة متتالية مع الفريق الوطني، وقلت له لدي عرضان واحد من أوروبا والثاني من الظفرة، هل من فتوى أو مشورة فقال لي إختر كيف تشاء وإلعب وسأتصل بك لاحقا».
العدوة وبحسن نية إختار الظفرة الإماراتي فوجد بعدها إسمه خارج القائمة أمام الرأس الأخضر، ولما أثيرت الضجة الشهيرة التي كشفناها في حينها بتسجيل صوتي لعصام ما يزال بحوزتنا رد علينا رونار وقال: «بوصوفة سيكون هو الإستثناء لكل من يحترف هناك».
اليوم رونار إجتهد في فتاويه وقال أننا نهول الأمر بخصوص احتراف البترو-دولار، متناسيا أنه هو من هول الأمر بمعاييره المتشددة السابقة، وأفتى في هوية البطل المقبل وحدده في مصر والسينغال وانتقد غضبنا من قراءته لهذا الفنجان.
مع بنعطية سيكون العرابي ومع أمرابط سيكون حمد الله، وياله من حرج سيعيشه لو واصل غض الطرف عن هذا ليستدعي ذاك..