ما كان جانب الحكمة في تلك الخرجة الإعلامية المتهورة للبلجيكي هوغو بروس مدرب منتخب جنوب إفريقيا، عندما جاء إلى الندوة الصحفية التي سبقت مباراة منتخب بافانا بافانا وزيمبابوي، ليقصف بشكل عشوائي، نسخة من الكان، أجمع الكل، وهي بعد في دور المجموعات، على أنها الأجمل في كل شيء، تنظيما وحضورا جماهيريا.
بدا وكأن الرجل على عينيه غشاوة، عندما تجرأ على موضوع هامشي، لا يمت بصلة لما هو مخصص أصلا للندوات الصحفية التي يعقدها المدربون ليلة مباريات منتخباتهم، فخالف الإجماع وسار ضد التيار وقطع في فكره كل خيط يتصل بالإتزان، حتى أن عينيه شاهدتا ما لا يشاهده الناس.
طبعا لا أصادر حق هوغو بروس في إبداء الرأي، فهذا أمر مكفول له، وإن اختلفت واختلف معه غيري، فلا نية لي ولا لغيري بالقطع، أن نجهز على حقه في أن يقول بيننا ما يشاء، والعاقل هو من يميز بين الغث والسمين في كل ما يقال، يأخذ ما ينفعه، وما كان زبدا يذهب جفاء.
فما حكاية هذه النعرة «الجنوبية» التي أصابت السيد بروس، حتى جعلته يأتي لندوة صحفية هدفها الأول الحديث عن مباراة قادمة، ليقص علينا ما عاشته زوجته للوصول إلى ملعب مباراة جنوب إفريقيا ومصر، وما اختلف في هذه النسخة عن نسختي الكامرون وكوت ديفوار، إليكم ما قاله العجوز البلجيكي:
«لا أشعر بنفس الأجواء التي كانت في كوت ديفوار أو في الغابون، خلال نسختي كأس أمم إفريقيا الأخيرتين، في كل ثانية كنت تشعر أنك فعلاً داخل بطولة، عندما كنا نعبر الحشود بالحافلة في طريقنا إلى معسكر التدريب، كنا نرى الناس يلوّحون بالأعلام ويحيّوننا.. هنا لا نشعر بأي شيء، عائلتي كانت حاضرة يوم الجمعة من أجل المباراة، وكان الوضع حرفياً فوضوياً قبل اللقاء.. الشرطة كانت تغلق كل شيء، وكان من المستحيل الوصول إلى الملعب، حتى الأشخاص الذين كانوا يتوفرون على تذاكر لم يتمكنوا من الدخول، بسبب مشجعين آخرين بدون تذاكر كانوا يحاولون الدخول بالقوة إلى الملعب».
ثم أردف متحدثا عن زوجته:
«زوجتي قالت لي صباح السبت إنها كانت خائفة جداً وسط تلك الجموع وهي رفقة أطفالها الصغار.. التنظيم ليس جيداً على هذا المستوى.. نعم، من الجميل أن نلعب المباريات في ملاعب جميلة، لكن إذا لم تُترك الأبواب مفتوحة فلن يأتي أحد لمشاهدة المباريات، في كوت ديفوار، أتذكر أن الناس كانوا في المدرجات وكانوا منخرطين، على عكس ما عشناه في بداية هذه النسخة من كأس أمم إفريقيا خلال مباراتنا أمام أنغولا في الجولة الأولى».
ماذا كان يريد هوغو بروس تحديدا، أن يحشر الآلاف من المتفرجين ليحفوا بالموكب الجنوب إفريقي وهو يعبر الشوارع نحو الملعب؟ أن يُغصب المغاربة على التواجد في مباراته أمام أنغولا، بينما لم تتمكن الجماهير الجنوب إفريقية أصلا من المجيء إلى المغرب لدعم أولادها؟
ثم ما قوله في حضور 40 ألف متفرج في مباراة منتخبه أمام مصر؟
لو لم يكن هوغو بروس أوروبيا، وقد عاش مسابقات أوروبية، كان فيها طريق المنتخبات يؤمن بشكل لا يؤخر وصوله إلى الملعب، لالتمست له العذر، في أن يكون تقديره للأشياء بهذا الشكل السمج والبئيس، حتى لا أقول الفولكلوري.
هي نوبة هذيان أصابت بروس بلا أدنى شك، خانته معها الكلمات، حتى أنه لم يكن أمينا مع نفسه قبل أن يكون أمينا مع المسابقة التي قدم لها زملاؤه من مدربي المنتخبات الأخرى الثناء والتنويه، وكما أن بصيرته عميت ليفتري بهذا الشكل على هذه النسخة الجميلة من الكان، فإنه فشل في التغطية على خسارته من مصر في مباراة لعب فراعنة النيل شوطها الثاني كاملا منقوصين من لاعب واحد، فادعى أمام الناس، بأن النجم محمد صلاح أسر له بأن ضربة الجزاء التي احتسبت له أثارت إستغرابه، وهو ما نفاه الإتحاد المصري لكرة القدم جملة وتفصيلا.
هل يستحق هوغو بروس ردا ثم توبيخا من اللجنة المنظمة لكأس إفريقيا للأمم على هذياناته؟
أعتقد أن السكوت عن الجاهلين هو عبادة العقلاء، وفي ظلام الكذب تشع الحقيقة.