إذا كان، ما جعل الجامعة أو الناخب الوطني هيرفي رونار أو كلاهما، يفضلان اللعب وديا أمام المنتخب الأرجنتيني على بعد مسافة زمنية قصيرة جدا من نهائيات نسخة كأس إفريقية للأمم، نرفع خلالها تحديا كبيرا، يتمثل في القبض أخيرا على التاج الإفريقي الذي ما نجحنا في نيله منذ سنة 1976، هو أن هذا المنتخب الأرجنتيني يضم بين صفوفه لاعبا أسطوريا هو ليونيل ميسي، ولا شيء غير ذلك، فإن ليونيل ميسي أصيب، أو لعله تظاهر بالإصابة ليعود إلى برشلونة ليحضر للديربي الكاطالوني وأيضا لمعركة عصبة الأبطال أمام المان يونايتد في موسم يحلم فيه برشلونة بجني كل الألقاب الممكنة.
إستفزني ما أريق من مداد، وما تداعى من كلام هو أقرب للسفسطة، عن شروط تعجيزية وضعها ميسي أو من يرافع عنه ليحضر إلى طنجة للمرة الثانية، وهذه المرة مع منتخبه الأرجنتيني، بعد أن حضر إليها في المرة الأولى سنة 2012 بمناسبة لقاء استعراضي جمع الرجاء ببرشلونة، وعن أموال طائلة إلتزمت الجامعة بسدادها لتضمن حضور البرغوث مع منتخب راقصي الطانغو، إلى المركب الكبير لطنجة، وطبعا رصدت ما كان على مواقع التواصل الإجتماعي من حراك يدعو لمقاطعة المباراة، لأن ما سيوضع في جيب ميسي، او الجامعة الأرجنتينية، أنديتنا الوطنية التي تضربها الأزمات المالية كالإعصار أحق به من غيرها.
وأخفى هذا الأمر، سؤالا عن الجدوى الفنية والرياضية وحتى التنافسية، من مواجهة منتخب الأرجنتين في هذا التوقيت بالذات وبالحالة الكارثية التي يوجد عليها «راقصو الطانغو»، والتي شاهدنا مجسما لها خلال المباراة الودية التي جرت الجمعة الأخير بمدريد أمام منتخب فينزويلا، وانتهت في يوم عودة ميسي، بخسارة وصفت في الصحافة الأرجنتينية بالعار، وأيضا الجدوى من هذه الخلطة السحرية التي لجأ لها رونار من أجل عيون الأرجنتين، بتشكيل كوماندو تحول لبلانتير لمواجهة مالاوي برسم تصفيات كأس إفريقيا للأمم، وبالإبقاء على التشكيل المونديالي بطنجة تحسبا لملاقاة ميسي.
طبعا لكل مباراة كيفما كانت طبيعتها دروس ومحكات وقوالب للإختبار التكتيكي والفني للمجموعة وللأفراد، إلا أن في اختيار الوديات لأي فريق يقف على بعد مسافة زمنية قصيرة جدا من حدث تنافسي كبير، تحضر الكثير من المعايير الفنية والتكتيكية، ولا أجد حرجا في القول أن لا شيء يمكن أن يفيدنا به منتخب الأرجنتين في هذا التوقيت بالذات، حيث لا يمكن القبول بفكرة أننا نلعب مباراة إستعراضية، ولربما نفس السؤال يطرح على الجامعة الأرجنتينية وهي تقرر لمنتخبها الأول ودية أمام منتخب إفريقي في سياق زمني مطبوع على الخصوص بالتحضير لبطولة كوبا أمريكا، ولو أن الناخب الأرجنتيني حظي من خلال ودية فينزويلا المنتخب الذي يوجد في نفس القارة، بما سيفيده لا محالة، عندما يكون لزاما تحديد المجموعة التي ستحمل على عاتقها مسؤولية البحث عن لقب قاري ثالث للكرة الأرجنتينية.
في مباريات كهاته، تكون للإنتصار الكثير من الحسنات، على المستوى النفسي لطالما أنها تعزز الثقة بالنفس وبالقدرات، وعلى المستوى الرياضي، بحكم أن الفوز يمنح نقاطا كثيرة تساعد على الإرتقاء في سلم التصنيف العالمي، ولكن إزاء كل هذا لا يمكن أن نقلل من الحسنات الفنية والتكتيكية، فالفريق الوطني محتاج إلى محكات ودية من جنس المواجهات التي سيقبل عليها شهر يونيو القادم بمصر، عندما يدخل كأس إفريقيا للأمم برهان المنافسة على اللقب، المحكات التي تزيد في التحامه والتصاقه بطبيعة الأداء الإفريقي القائم على الإلتحامات القوية، ولو أنني أتفهم قلق هيرفي رونار في رسم ملامح المنتخب الإفريقي لمواجهته في هذا التاريخ، ما دام أن قرعة كأس إفريقيا للأمم لم تسحب بعد، ومن الصعب جدا أن يواجه الأسود منتخبا، قد ترمي به القرعة في مجموعة الأسود.
ومع ما يوجد من معطلات وموانع، لتحقق ودية الأرجنتين المنفعة المثالية، بحكم الوضعية التي يوجد عليها «راقصو الطانغو» والأكثر من ذلك في غياب الكبير ليونيل ميسي، إلا أنني أتمنى أن يحقق لاعبو الفريق الوطني، الذين سيزج بهم رونار يوم غد الثلاثاء في مباراة الأرجنتين، درجة عالية من الإستمتاع الجماعي بلعب كرة قدم كاملة الأوصاف، تبرر مكانة الفريق الوطني اليوم في المشهد الكروي الإفريقي، كأحد أقوى خمسة منتخبات إفريقية على المسرح العالمي، أما الباقي فتدبيره موكول للأيام.