كثيرة هي الصور التي ستخلد في الذاكرة من الذي شاهدناه في مباراة ماميلودي صنداونز الجنوب إفريقي والوداد البيضاوي عصر يوم السبت الماضي، بحصون الأولاد في إياب الدور نصف النهائي لعصبة الأبطال، المباراة التي تقود الوداد بعلامة الإستحقاق الكاملة إلى نهائي الأبطال للمرة الرابعة في تاريخه، صورة البطولية التي كشف لاعبو الوداد عن ملمح جديد لها وهم يروضون فريقا ما عبر للدور نصف النهائي، إلا لأنه أسقط نادي القرن بإفريقيا، الأهلي المصري بخماسية نكراء، وصورة الحذاقة والمهارة التي أظهرها الثعلب فوزي البنزرتي في وضع الشاكلة الأكثر تطابقا مع تضاريس المباراة ومع خصوصيات لاعبيه، وصورة الدموع التي سالت كالأودية على خدود جماهير صنداونز، وفريقهم يعجز عن اختراق الكاطناشيو الودادي.
إلا أن الصورة التي جذبتني إليها، لما تطفح به من دلالات وإيحاءات، هي تلك التي أظهرت الجنوب إفريقي بيتسو موسيماني، مدرب صنداونز وهو يترجل بعد نهاية المباراة نحو مستودع الملابس للوداد البيضاوي ليقدم التهنئة لفوزي البنزرتي وللفرسان الحمر، على مباراتهم البطولية، وليقول لهم أنهم كانوا الأجدر بنيل بطاقة الترشح للمباراة النهائية وليتمنى لهم حظا موفقا في موقعة الحسم أمام الترجي التونسي.
قيمة هذا الذي أقدم عليه مدرب صنداونز، وهو فعل نراه كثيرا في ملاعب التباري، لارتباطه الوثيق بالقيم الإنسانية الرفيعة التي تنطوي عليها الرياضة، قيمة ذلك، في أن من ذهب رأسا إلى الوداد لتهنئته، هو نفسه الذي أرعد وأزبد في مباراة الجولة السادسة والأخيرة من دور المجموعات هنا بمركب الأمير مولاي عبد الله بالرباط، التي فاز بها الوداد بهدف المدفعجي نهيري وتأهل للدور ربع النهائي متصدرا لمجموعته، ولعلكم تذكرون أن ما نطق به يومها موسيماني، وهو يتهم الحكام الأفارقة بمحاباة الأندية المغربية، وأبدا لم يمنح الوداد يومها شارة الإستحقاق، جعل ألسنة تطول بخبث، لتتحدث عن أن هناك ضغطا يمارس على الحكام الأفارقة، فيجردهم من نزاهتهم وحياديتهم، بل ويجعلهم في خدمة الأندية المغربية حتى من دون أن يطلب منهم ذلك، وهو ما تداعى مثل كثبان الملح في مباراة يوم السبت، ومدرب صنداونز يعود له عقله ويعترف للوداد بالأفضلية.
والحقيقة أن ما يتحقق اليوم لكرة القدم المغربية في مساراتها الإفريقية على مستوى النوادي خاصة، إنما هو نتاج عمل قاعدي وهيكلي يتأسس على تحول كبير في مقاربة الأندية المغربية لمشاركاتها الإفريقية، فوجود فريقين مغربيين في الدور نصف النهائي للكأسين القاريتين في نسختيهما الحاليتين (الوداد في عصبة الأبطال والنهضة البركانية في كأس الكاف)، وتتويج الرجاء البيضاوي بلقب نسخة 2018 لكأس الكونفدرالية، وقبله تتويج الوداد بلقب نسخة 2017 لعصبة الأبطال، حتى لا نتعمق في جرد المنجز قاريا خلال العقد الأخير مع الفتح الرباطي والمغرب الفاسي، هو تجسيد للتفوق المغربي على مستوى النوادي إفريقيا، وقد انصاعت الأندية الوطنية إلى موجبات هذا الحضور القاري الوازن، وفي طليعتها التسلح بكل الإمكانات التقنية والبشرية واللوجيستية لربح معارك كروية ضارية في الأحراش الإفريقية.
ما من شك أن الكرة المغربية عوقبت بشكل فظيع على غيابها المضطرد عن مراكز القرار داخل الكونفدرالية الإفريقية، وفي ذلك، ما جنى عليها شيء آخر غير التناحر على الناصية بمسميات كثيرة، إلا أنه لا يجب أن يفهم من أي حضور وازن للمغرب في مراكز القرار، على أنه حصول على أي حظوة أو امتياز، بقدر ما هو تأكيد أولا على المرجعية وتقدير ثانيا للكفاءة المغربية ومساهمة منا رابعا في تنقية المشهد الكروي الإفريقي من كل الذي يلطخ له الصورة والسمعة، ويعطل صعوده المضطرد إلى المستويات العالمية.
ما حققه الوداد بصعوده لنهائي عصبة الأبطال للمرة الثانية في آخر ثلاث سنوات، وبعودة الرجاء القوية لمسرح الألقاب بفوزه تباعا بكأس الكونفدرالية وكأس السوبر، هو إجابة ضمنية وصريحة، على أن كرة القدم المغربية لا تحتاج أبدا إلى دخول كهوف الشياطين أو إلى نسج الدسائس في ظلمات الليل أو إلى شراء الذمم لتبني مجدا على جرف هار، ما كان ذلك سعينا ولا قمة طموحنا، فلا كانت الألقاب التي تصنع وهما.
شكرا للوداد البيضاوي وللنهضة البركانية على ما يقدمانه للكرة الوطنية في المسرح الإفريقي، ويقينا أن البقاء في قمة الكرة الإفريقية لأطول فترة ممكنة، هو أصعب وأنكى من الوصول إليها، لذلك أقول لا وقت للنوم في العسل.