ما تردد سؤال على مشهد الفريق الوطني في العقدين الأخيرين، أكثر من سؤال النسبة التي يتواجد بها لاعبو البطولة في لوائح الفريق الوطني، وما أفلت أحد من الناخبين الوطنيين المتعاقبين على العارضة التقنية لأسود الأطلس، من قبضة السؤال الذي يستنكر التهميش الذي يطال منتوج البطولة الوطنية، ولا يفهم أبدا سر الجري وراء لاعبين مغاربة مكونين بأندية أوروبية، وفي الغالب الأعم لا يكونون مع المنتخب الوطني بذات اللمعان والبريق، اللذين يكونان به مع نواديهم الأوروبية.
طبعا إختلفت ردود كل الناخبين الوطنيين الذين ووجهوا حتما بهذا السؤال في ظاهرها لصياغتها الديبلوماسية، ولكنها اتفقت على أن لاعبي البطولة الوطنية، لابد وأن يعملوا وأن يجتهدوا لكي يعفوا المشهد الرياضي الوطني من اجترار هذا السؤال الثقيل والمضني، ومع كل الوعود التي يقدمها هؤلاء الناخبون في خرجاتهم الصحفية بخاصة عند وصولهم لدفة المسؤولية، بإعطاء لاعبي البطولة الوطنية، كامل الفرص للمنافسة على الرسمية داخل الفريق الوطني، سنجد أنهم بقوة ما يشاهدونه في الحصص التدريبية، وفي النزالات الرسمية أو الودية، ينحازون أكثر للاعبين الوافدين من البطولات الأوروبية.
الأمر ليس فيه انتصار للعرقية أو للإنتماء كما يحشر في العديد من النقاشات، لأن ناخبين مغاربة مروا في السنوات الأخيرة على الفريق الوطني، وكان منهم الزاكي بادو، فعلوا الشيء ذاته مكرهين ومرغمين برغم كل التعاطف الذي أبدوه ويبدونه مع اللاعب المحلي، والأمر ليس مرتبطا بالمطلق بضغوط يمارسها وكلاء اللاعبين، بل الأمر مرتبط بمعايير يتم الإحتكام إليها في ضبط جاهزية أي لاعب لحمل قميص الفريق الوطني، معيار التجاوب المطلق مع المنظور التكتيكي للمدرب، ومعيار القوة الذهنية لتمثل موجبات كرة القدم المستوى العالي، ثم معيار الإستجابة بدنيا وفنيا لمنظومات اللعب الحديثة، ولن نكذب على أنفسنا إن جزمنا بأن ما شاب منظومة التكوين عندنا لسنوات طويلة، هو ما أفرز في النهاية جيلا من اللاعبين، أهدرت ملكاتهم الفنية وابتعدوا كثيرا عن أساسيات وقواعد كرة القدم الحديثة، لاعبون بخامات فنية مذهلة تعوزها القدرة على ما ينقحها ويهذبها ويرفعها للمستويات العالية، حيث يكون لزاما أن يضع اللاعب بذكائه المكتسب مهاراته الفردية في خدمة منظومة اللعب.
وعلى الرغم من حداثة البوسني وحيد خاليلودزيتش بالفريق الوطني، إلا أنه طورد في كل خرجاته الصحفية بسؤال المساحة التي ستخصص للاعب المحلي داخل الفريق الوطني، بل إن هناك من عاد للحديث عن «كوطا» يجب فرضها، وفي ذلك ننزع إلا ما هو مرفوض في لغة كرة القدم، التضييق على الناخب الوطني وفرض إملاءات عليه، مع أنني لا أظن أن يكون وحيد من هؤلاء المنكفئين أو المتنازلين، وبعد المباراة الودية التي خرج منها الأسود متعادلين بأداء جماعي مثير للقلق، سقط ذات السؤال على رأس وحيد، فما كان منه إلا أن أطلق من صدره الحقيقة التي يتفق عليها الجميع، حقيقة أن لاعبي البطولة يبتعدون بمسافات عن اللاعبين الذين جرى تكوينهم بأوروبا، وأنا هنا لا أعمم، لأن بين المنادى عليهم للفريق الوطني من اللاعبين الممارسين بالبطولات الأوروبية، من لا تنطبق عليهم الصفة، ومن لا يجدر بنا أن نقيم مقارنة بينهم وبين ما تنتجه البطولة الوطنية.
بالقطع لا أحد يقول أن أبواب الفريق الوطني ستوصد في وجه لاعبي البطولة الوطنية، فهناك لاعبون أعرفهم بالإسم يقاتلون من أجل أن يتجاوزوا مثبطات التكوين الذي خضعوا له صغارا أو حتى لما صاروا لاعبين للفريق الأول، ومن أجل أن يرتفعوا بأدائهم فوق المستويات المتدنية التي هي السمة الغالبة لمباريات البطولة الإحترافية، ولا أحد يجزم بأن كل لاعب مغربي يمارس ببطولة أوروبية سيكون له مكان بالفريق الوطني، ومع القطع بهذا والجزم بذاك، فإن مشهد الفريق الوطني وكل الندوات الصحفية التي يدعى لها الناخب الوطني يجب أن تخلو من هذا السؤال المارق، لندع وحيد يواجه ما فرضته عليه الظروف من إكراهات ولنتوجه إدارة تقنية وطنية وأندية، إلى إبداع نموذج مغربي للتكوين، يحترم الخصوصية والهوية المغربية ويتطابق مع ما وصلته كرة القدم المستوى العالي، على أمل أن يكون للكرة المغربية في أفق عشر سنوات جيل جديد من اللاعبين، يفرضون بمستوياتهم العالية مقاربة أكثر صرامة في اختيار من من اللاعبين الممارسين بأوروبا وغيرها يستحقون حمل القميص الوطني.