كل شيء توقعته من كارطيرون مدرب الرجاء، أن يأتي بتحويرات تكتيكية، أن يروض التشكيل البشري بهدف استثمار الغيابات الوازنة التي ضربت الوداد فاقتلعت أعمدة قوية في الصرح التكتيكي الأحمر، وأن يهب لاعبيه سعارا أخضر يملأ تفاصيل ديربي العرب في جولته الأولى، إلا شيئا واحدا لم أتوقعه ومعي الكثيرون، أن يبقي المايسترو والعميد محسن متولي في بنك البدلاء، أن يفضل كارطيرون عليه الشاب سفيان رحيمي، وأن ينزع من فريقه رمحا ساخنا يمكن أن يصطاد الطرائد في أي وقت..
وأبدا لم تتأخر المباراة في جولتها الأولى بدرجة أقل وفي الجولة الثانية بدرجة أكبر، في إظهار كم كان كارطيرون خاطئا في تقديره، لما يمكن أن يكون عليه الأداء الجماعي للنسور الخضر من دون متولي، ففي الشوط الأول وباستثناء الطوق الدفاعي المفروض على المنطقة، نتيجة التشديد على الأظهرة الدفاعية بعدم المبالغة في تقمص الأدوار الهجومية، فإن الرجاء لم يكن أبدا في وضع المبادر، لا لشيء إلا لأن من يضع الخواتيم للبناءات الهجومية كان مفقودا، وقد كان من الصعب جدا أن نطالب الشاب سفيان رحيمي بأن يأتي في ديربي بطبيعة مختلفة، بما هو مذهل وجميل وهو الذي أسكنه كارطيرون لزمن في ثلاجة الإحتياط حتى بردت شمسه، وكان من المستحيل على أيوب نناح وهو في قمة الأريحية والجاهزية أن يأتي حتى بنصف ما يأتي به متولي، فلا قياس مع وجود الفارق في الخامات وفي التجربة وفي القدرة على الخروج من جلباب الضغط الذي يضيق عادة على الصدر.
كنتيجة لهذه المكابرة التي أبداها كارطيرون، وكنت أتمنى لو يعطينا ما يبررها حتى نلتمس له العذر أو نتجاوز عن خطيئته، كان من نتيجة هذا التهور التكتيكي، أن الرجاء أنهى الشوط الأول متأخرا بهدف للوداد، وكان من الممكن أن تكون المحصلة بنهاية النصف الأول للمباراة أكبر من ذلك لو أحسن كل من زهير المترجي وأيوب الكعبي التعامل مع فرصتين سانحتين للتسجيل.
ولأن كارطيرون ليس من نوعية المدربين الذين يركبون رؤوسهم، أو الذين يبدون عنادا يفضي إلى السقوط، فإنه سيكفر عن غلطته وسيقرر إدخال محسن متولي مع بداية الشوط الثاني بديلا لزكرياء الوردي، وحتى يمنح متولي المنطقة التي تبرز ملكاته التقنية المتعددة وتمنحه القدرة على إرسال نيازكه الهجومية، فإنه سيجر نناح للوسط قريبا من العمق الهجومي، لتتغير الصورة تماما، فمن أصبح المستحوذ على الكرة، هم لاعبو الرجاء، ومن نجح في تطبيق الضغط العالي بدرجات متفاوتة بين الإتقان والفوضى، هم لاعبو الرجاء، لذلك كان من الطبيعي جدا أن يتقهقر فرسان الوداد، ويعودون مكرهين لا أبطالا للتكوم في منطقتهم الدفاعية.
سيسجل الرجاء هدف التعادل من السقاء نغوما نتيجة لضغط عال وخانق، وسيضيع لاعبوه فرصا أخرى لتحقيق الفوز، وهذا الإنقلاب في المباراة كان مهندسه الأول هو محسن متولي الذي تأكد بما لا يدع مجالا للشك أو حتى للنقاش، أنه ليس من طينة اللاعبين الذين يرمون في كرسي البدلاء في مباريات من هذه الطينة، إلا لظرف قاهر.
وبالعودة إلى المضمون التقني والتكتيكي الذي حفل به ديربي العرب في جزئه الأول، فإننا سنجد ما ظللنا نلح عليه من أن تكوين اللاعبين المغاربة وطرق تدبير حياتهم الخاصة وأسلوب إعدادهم من كافة النواحي، لا يسمح لهم إطلاقا باللعب لتسعين دقيقة كاملة في مستويات عالية، وإن رغبوا في ذلك كانوا كمن ينتحرون بدنيا وذهنيا، لذلك لا مجال على الإطلاق بأن نتهم هذا المدرب أو ذاك بأنه وجه لاعبيه بعد تسجيل هدف السبق للرجوع للخلف لتأمين المنطقة الدفاعية، فما يحدث أن الخوف من الإحتراق والخوف من إفراغ الوعاء البدني، يدفع اللاعبين إلى اللجوء لمحمياتهم الدفاعية، لعلها تظللهم من شمس الإيقاع الحارقة.. 
مؤكد أننا لم نر ديربيا ممتعا على أرضية الملعب في سجالاته التكتيكية وأيضا في محاوراته الفنية، لوجود عوارض كثيرة، منها ما هو ذهني وما هو بدني ومنها ما هو من أصل التكوين، إلا أننا في مقابل ذلك شاهدنا ديربيا يرتفع  فيه مجددا مؤشر الإبداع بما جادت به المدرجات من لوحات فنية تسحر العين، ولئن استمتعنا نحن من شاهدنا المباراة على شاشة التلفزة، فإن ما خلق هذه المتعة فعلا، الإخراج التلفزيوني لها من قبل القناة الناقلة «أبو ظبي الرياضية» والذي بلغ مستويات عالية من الإبداع جعلتنا لأول مرة لا نخاف من عقد المقارنة بين ديربي العرب وأي من ديربيات العالم على مستوى النقل التلفزي..