من منا لا يريد ناخبًا ومدربًا وطنيًا، لا يعصى ما تأمره به أعراف النجاح، ولا يستكين أمام هبات الرياح، ولا يقدم أي تنازلات في التدبير الإحترافي لشأن الفريق الوطني؟
 لقد قبلنا على مضض أن تنفصل الجامعة في هذه الظرفية بالذات، عن المدرب هيرفي رونار لأنه كان صاحب وصفة حققت نجاحًا لا يرى فقط بعين الألقاب والنجاحات، فقد كنا نتصور برغم كل العلل التي برزت، أن الثعلب ما زالت لديه شهية للصيد، ولكننا عندما سمعنا بمقدم البوسني الفرنسي وحيد خاليلودزيتش، تفاءلنا خيرًا بقدرة الفريق الوطني على أن يجتاز صحراء لا ماء ولا زرع فيها، دخلها قبل نحو سنة، أي بمجرد عودته من مونديال روسيا فلم ير فيها ولم نر نحن أيضا إلا القيظ. 
تفاءلنا خيرًا، لما كنا نعرفه عن وحيد، بنسخته التي مرت على الرجاء قبل عقدين من الزمن، وبنسخته التي مرت على منتخب الجزائر، فأهلته ليكتب فصلا رائعا في تاريخ كرة القدم الجزائرية، عندما قاده ليس فقط للتأهل لمونديال البرازيل قبل خمس سنوات، ولكن لعبور الدور الأول لكأس العالم لأول مرة في تاريخه، وكل هذه النسخ على اختلاف حكاياها، لها قاسم مشترك، وهو أن وحيد خاليلودزيتش صارم كالصخر في ضبط العلاقات وفي التقيد بأحكام منظومة الإشتغال، صرامة لا تتعارض طبعا مع الجدية، ولا تتقاطع معها.
 في قضية رضا التكناوتي حارس الوداد البيضاوي، برغم أن الخلاف الذي استوجب التوقيف عن اللعب دوليا لثلاثة أشهر حدث مع الحسين عموتا مدرب المنتخب المحلي، كان وحيد جازما في تجريم الفعل وفي إنزال العقوبة على التكناوتي، وفي قضية عبد الرزاق حمد الله التي حسبتنا لكثير من المستنقعات، لم يختر وحيد خاليلودزيتش عشرات الطرق ليتدبر ما تداعى على الهامش من تلاسنات وأيضا من تحقير لمساعده مصطفى حجي، فاختار أن يطوي صفحة حمد الله ولعل الرسالة وصلته فوضع بنفسه خاتمة لحكاية مقرفة بأن قال أنه يعلن اعتزاله اللعب دوليا، وفعل ما فعله العميد المهدي بنعطية، ما اختلاف كبير في المسببات والدواعي.
 ولم يرف لوحيد رمش واحد في قضية أمين حارث، فقد بادر من دون استحضار لأي مقاربة عاطفية، إلى استبعاد الفتى الذي حذره في الودية الأخيرة من مغبة المغالاة في الإحتفاظ بالكرة، وعندما لم يمتثل لتحذيره عاقبه بما يراه مناسبًا وقد يكون مناسبًا أيضا لأمين الذي تفاءلنا كثيرا بعودته القوية بعد سنة كاملة من الدوران في حلقة المتاعب والأزمات. الشيء الوحيد الذي تبلغنا به الحالات الثلاث التي طفت على سطح الفريق الوطني، هو أن وحيد لا يمازح في إحلال منظومة الإشتغال ولا يبدي أي ليونة في معاقبة كل خروج عن النص أكان أخلاقيًا أم تعاملها أم تكتيكيا، ولربما يكون وحيد بكل هذا الذي فعله وبكل هذه الرسائل التي بعث بها، قد أرضى المغاربة الذين لا يسمحون بأن يكون عرين الأسود وكرًا للإخوانيات وللدسائس والعنترية.
 وأمام هذه اللاءات التي رفعها وحيد في وجه الإستهتار أو الخروج عن النص الأخلاقي والتعاملي، ينتظر المغاربة أن يرفع وحيد خليلودزيتش في مباراة موريتانيا عن الفريق الوطني، كل أشكال الإحتباس التهديفي والإختناق التكتيكي التي صاحبت الوديات الأربع، لدرجة بات معها القلق كبيرا على هوية اللعب التي أسس لها هيرفي رونار في السنتين الأوليين لفترة اشتغاله.
بالطبع لا يمكن أن نقلق على تأهل الفريق الوطني لنهائيات كأس إفريقيا للأمم بالكاميرون سنة 2021، وهو المتواجد في مجموعة يبتعد فيها بمسافات عن المنتخبات التي تدخل معها سباق حيازة إحدى بطاقتي الصعود للكان، إلا أن عدم تجاوز الفريق الوطني لكل ما أثار فينا الهلع والفزع على مستوى الأداء هو ما سيجعلنا في الواقع متحسرين على أننا رمينا بمجهود سنوات في عرض البحر.