كنت جازما في اعتقادي، أن ما كان في ديربي الجنون بين الوداد والرجاء في ذاك السبت الهلامي بالخصوص على أرضية الملعب، يمكن أن يكون مرجعا لكرة القدم بالمقاسات التكتيكية الدولية التي نستطيع أن نراها بأم العين في بطولتنا الإحترافية خلال القادم من السنوات، بشرط أن يكون العمل عميقا في إرساء منظومة تكوين بمقاسات جديدة وحديثة، ولكن ما كان في الديربي، لا يمكن أن يكون اليوم قاعدة لغياب الكثير من موجبات اللعب في المستويات العالية.
ما كان في ديربي العرب بين الغريمين الوداد والرجاء ذاك السبت، كان استثناء، والدال عليه ما جاء به الفريقان معا أسبوعا بعد ذلك، عندما دخلا معا دور المجوعات لعصبة الأبطال الإفريقية، فواجه الوداد وصيف البطل اتحاد الجزائر بالبليدة والتقى الرجاء الترجي التونسي البطل «بحياكة إفريقية» سيذكرها التاريخ طويلا، وأبدا لم يقترب أي منهما، من هلامية الأداء الذي كانا عليه في الديربي، ولذلك أسباب تتعلق أولا بما بات يفرضه اللعب في المستويات العالية من منسوب بدني ومن شخصية قوية ومن قدرة على التركيز، وتتعلق ثانيا بالتحضير الذهني لمباريات من هذا المقاس وترتبط ثالثا بتكوين اللاعبين.
موجوعا رحل الوداد إلى الجزائر لملاقاة اتحاد العاصمة الذي يعيش على سفح الإفلاس، ولحسن حظ الفرسان الحمر، أنهم سجلوا أولا هدف التعادل في الثواني الأخيرة، فأفلتوا من هزيمة نكراء، وأنهم واجهوا ثانيا فريقا لا أحد يمكن أن ينكر ما يعانيه لاعبوه من انسحاق نفسي نتيجة الأزمة المالية التي تغير على الفريق، فلو أن الوداد واجه فريقا آخر غير اتحاد الجزائر في ظروفه قاهرة هاته، لكانت سقطته بالفعل مريعة.
لم أر من الوداد هناك بملعب مصطفى تشاكر بالبليدة، أداء جماعيا وتدبيرا تكتيكيا يحكيان عنه ويعرفان به كوصيف لبطل القارة، أو كأحد السواعد الكبرى لعصبة الأبطال، فالفريق مسحوق نفسيا، وقد أظهر الكثير من العيوب في تدبيره لمباراة، كان يجب أن يتفوق فيها بالراحة برغم طابع المحلية الذي يقلص العديد من الفوارق، والفريق بات بين يوم وليلة يشكو من ضعف الرصيد البشري، بمجرد أن رياح الإصابات قد هبت عليه فاقتلعت بعض الثوابت.
خلافا للوداد، جاء الرجاء منتشيا إلى مباراة الترجي التونسي، فقد كان يملك حافزا نفسيا يساعده على قهر فريق لم ينل بالصدفة فقط لقبين متتالين لعصبة الأبطال، ولم يكن مسموحا القول بأن نفسيته «المكشخين» تحطمت لمجرد أن قرش آسفي أجهز عليهم بمعقلهم في ملحمة كأس محمد السادس للأندية الأبطال، كان الرجاء مطالبا بأن يعود سريعا إلى الأرض، وأن يتحضر لمعركة تكتيكية ضارية لا يسمح فيها بارتكاب أخطاء دفاعية من جنس التي أتى بها في مباراة الوداد واستقبلت خلالها مرماه لأربعة أهداف.
للأسف سيتأخر الرجاء طويلا في الدخول للمباراة لتوجيه دفتها وللقبض على تفاصيلها، ترك ذلك عن عمد أو تحت الإكراه، لا يهم، للترجي الذي أحسن كعادته استغلال الفرص ومن الثقوب الموجودة بالمنظومة الدفاعية للرجاء سيتمكن من تسجيل هدفين في توقيت جيد أحكم بهما شد الوثاق، وسار بالمباراة بالطريقة التي ستناسب مقدراته ليحقق الفوز، برغم أن الرجاء عاند كثيرا الظروف المحبطة، وجازف قليلا في الشوط الثاني وبقليل من الحظ كان بإمكانه التسجيل من فرص سانحة.
طبعا لا يبدو تعادل الوداد بالجزائر شيئا سيئا، فالنقطة تحفز على المضي قدما نحو تأمين تأهل مبكر للدور ربع النهائي، ولا يمكن القول أن النسور الخضر أعدموا الكثير من الآمال بخسارتهم هنا بالدار البيضاء أمام الترجي، فهناك خمس جولات متبقية يمكن للرجاء أن يحصل منه على ما يعطيه حق مواصلة حلم المنافسة على اللقب القاري، إلا أنني موقن بأن الوداد بحاجة ماسة إلى ما ينعش رصيده البشري بإنجاز انتدابات شتوية مدروسة، والرجاء بحاجة مع مدربه جمال السلامي إلى ما يقوي المنظومة الدفاعية ويخلصها من الشوائب التي ترى بالعين المجردة، وإلى ما يعطي للأداء الهجومي كثافته، وهذا الأمر قد يتحقق الكثير منه، بعودة الفنان عبد الإله الحافيظي.