عدا كل الذي وصفنا به مركب محمد السادس لكرة القدم، الذي تفضل جلالة الملك محمد السادس بتدشينه الإثنين الماضي، من صفات الفخامة والجمال التي تطابق الموصوف، وتجعل منه للأمانة تحفة فنية ومعمارية قل نظيرها في العالم ومركزا للتميز في مجالات التكوين، فإن القول بأن هذا المركب غدا بيتا لعائلة كرة القدم المغربية وحرما كرويا فيه سيصنع المغرب كرة قدم بمقاسات عالمية وبهوية مغربية حاضره ومستقبله، يضع الجامعة ومجتمع كرة القدم الوطنية، أمام مسؤوليات تاريخية وأمام مواعيد إن هي أخلفتها ذهب ريحها وتشتت صداها وتقطع نفسها.
مركب محمد السادس لكرة القدم، المبهر فيه، ليس فسيفساؤه ولا جمال هندسته ولا الفضاء الغابوي الجميل الذي يستوطنه فحسب، ولكن مرافقه التي تستجيب للمعايير الدولية في صناعة التميز في مجالات الإختصاص، صحيح أن للمركب بعدا رياضيا واستثماريا واقتصاديا، يتمثل في أنه سيكون العرين الأمثل للمنتخبات الوطنية وسيعفي الجامعة من مصاريف مهولة كان يتطلبها تربص هذه المنتخبات بفنادق من خمسة نجوم، كما سيكون فرصة لاستقطاب أندية ومنتخبات عالمية لتعسكر فيه، إلا أن البعد الإستراتيجي للمركب، هو بعد تقني مرتبط بصناعة التميز، بإعطاء كرة القدم المغربية في الآماد المتوسطة والطويلة، القدرة على الإستثمار على نحو جيد في الخزان الكبير للمواهب والرأسمال البشري، وأيضا لتمكين الكرة الوطنية من استعادة الصدارة في محيطها القاري.
طبعا هذا المركب سيكون هو المختبر الحقيقي لكرة القدم الوطنية، ولكي يؤدي كل هذه الأدوار على نحو جيد، لابد من مقاربة جيدة لتوظيفه واستغلال مرافقه، وهذه المقاربة هي التي ننتظرها اليوم من الإدارة التقنية الوطنية، وقد أصبح على رأسها الويلزي أوسيان روبيرت الذي تقدمه سيرته الذاتية كأحد أقطاب التكوين من المستوى العالي، وكصيد ثمين للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، لا يقتصر الأمر على تعيين أطقم تقنية للمنتخبات الوطنية على اختلافها، والتي يتطلع كلنا إلى أن تخرج في النهاية سليمة ومتمعة بالكفاءة التدريبية وبالمهنية العالية وأيضا بالقدرة على ترجمة فلسفة المدير التقني الوطني ولا يشوبها أي من الأعطاب التي لازمت لغاية الأسف تدبيرنا للمرفق التقني.
لا يقتصر الأمر على انتقاء الأطقم التقنية للمنتخبات الوطنية بإعمال النزاهة والشفافية الكاملتين، ولكن يتعداه إلى إرساء كافة الهياكل التي من دونها لا تستطيع أي مديرية تقنية وطنية أن تضطلع بأدوارها الإستراتيجية في بناء المنظومة الكروية الوطنية، وفي طليعة هذه الهياكل تلك المرتبطة بالتكوين بمستوياته العالية، تكوين الأطر التقنية وتكوين لاعبي الصفوة، وهذه التكوينات تحتاج إلى مرجعيات وإلى كفاءات وأيضا إلى مضامين متطابقة مع أسلاك التكوين الحديثة لترتفع فوق البداءات التي سادت في مرحلة سابقة، وجعلتنا نقف بعد خمس سنوات من عمل الإدارة التقنية الوطنية السابقة، على حقيقة أن محتوى برامج التكوين لا يتطابق مع تكوين المستوى العالي الشائع دوليا، وأن ما ساد مختلف دورات التكوين من خروقات، أضاع علينا خمس سنوات كاملة لبناء سقف بيت كرة القدم الذي هو السقف التقني المانع للسقوط تحت أي إعصار.
استمعت لكثير من خطابات الضجر والتأفف والسخط من مدربين ومن أطر تقنية، بسبب ما ساد في وقت سابق من تجاوزات ومن ضرب للمعايير والضوابط، فأنتج ذلك حالة من فقدان الثقة، هي ما يجب على الإدارة التقنية الوطنية الحالية التصدي لها، فمتى لم يكن العمل داخل الإدارة التقنية شفافا ومنحنيا أمام الميثاق المهني ومستجيبا للمعايير والشروط التي تحدد الولوج لأي من التكوينات، متى لم تشعرنا الإدارة التقنية الوطنية، بقدرتها على أن لا تساوم في النزاهة والموضوعية والعلمية في التكوينات، متى أصبح العيش ضيقا وصعبا في بيت العائلة، مهما كانت فخامته وجمال وسحر مرافقه.