لعل أكثر شيء ستسائلنا عنه سنة 2019 التي ستطوي عن قريب آخر أيامها، هو الدرجة التي بلغناها في تنزيل المشروع الإحترافي الذي يمثل لكرة القدم الوطنية أحد أكثر الإنعطافات التاريخية، إن لم تكن أقواها على الإطلاق، بالنظر إلى أن الوصول أخيرا إلى عتبة الإحتراف بالمقوم المغربي الخالص، يمثل انتصارا جماعيا على حالة التبئيس والتيئيس التي هيمنت على المشهد الكروي الوطني لعقود من الزمن وانهاء لأزمنة المواجع بفعل التحول البطيء بين الأزمنة.
وقد كانت سنة 2019 حاسمة في تقرير مصير المشروع الإحترافي، بالنظر إلى أن المتحكم الأكبر في المنتج الكروي بل والمعني الأول بمنظومة العمل الإحترافي وهي الأندية، كانت تستشعر صعوبة كبيرة في نزع جلباب الهواية وتقمص الإحتراف بما له من أعراف وطبائع، ما له من موجبات وضوابط، فإن كانت كرة القدم الوطنية قد حققت طفرات نوعية على مستوى البنى التحتية من دون أن ننكر وجود خصاص على مستوى ملاعب التدريب، وإن كانت قد أحكمت ربط اللاعبين والمدربين وكل الممتهنين لكرة القدم بعقود، وإن كانت قد حينت التشريعات الرياضية، بخاصة تلك التي تضع لنظام الإحتراف أحكاما، فإن ما شكل الرهان الأكبر لكرة القدم الوطنية في سنة 2019، هو مرور الأندية الوطنية لنظام الشركات الرياضية إما بإحداثها أو بالتعاقد معها، بالنظر إلى أن إحداث الأندية لشركات رياضية مجهولة الإسم، هو شرط قانوني منصوص عليه في قانون التربية البدنية والرياضة 30-09، وهو أيضا مستوى تدبيري متقدم لكرة القدم المستوى العالي، بل هو ما يدخل الأندية فعليًا لعهود الإحتراف.
وقد لمسنا ما صاحب هذا المرور إلى نظام الشركات الرياضية من عسر مصدره الأول اختلال التوازنات الإقتصادية للأندية وارتفاع مؤشر العجز المالي لديها، وعلى الخصوص خوف من يجثم على صدر الأندية من أن تكون هذه الشركات الرياضية إنهاء لتملكهم لهذه الأندية، حالة الوجع والتثاؤب هاته واجهها رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم بكثير من الحزم، فمن جهة كان يعرف أن إحداث الأندية المشاركة في البطولة الإحترافية لشركات رياضية، هو أولا امتثال لروح القانون بعد سنوات من التردد، وهو ثانيًا سبيل الأندية لتجويد حكامتها وبناء القاعدة الإقتصادية على أساسات قوية لا هشة، وهو ثالثا انفتاح على الرساميل الوطنية والدولية لتمكين الأندية من القطع مع اقتصاد الريع والتحول إلى مقاولات منتجة ومساهمة في النموذج التنموي الجديد الذي سيتم تنزيله بالمغرب.
لذلك كله، أعتبر أن سنة 2019 التي بكت خلالها كرة القدم الوطنية على أحلام تبخرت وتناثرت، والمنتخبات الوطنية جميعها تشترك في لعنة الإقصاء من المنافسات القارية، كانت انفراجة قوية في مسلسل تنزيل المشروع الإحترافي، بإحداث كل الأندية المشاركة في البطولة الإحترافية الأولى لشركات رياضية بمختلف مستوياتها، ولكن الأمر في اعتقادي لا يمكن أن يقف عند مجرد إشهار الأندية لشركاتها الرياضية، بل يتعداه إلى ما سيحدثه هذا الأمر من تأثيرات على المشهد الكروي بخاصة ما يتعلق بوجهه الإحترافي.
إن المنظومة الإحترافية هي مرادف كبير للحكامة الجيدة، أو هي متلازمة معها، فمتى كانت هذه المنظومة سلسلة ومرنة ومقننة، متى ساهم ذلك في رفع درجات الحكامة وتجويدها، لذلك ستكون عائلة كرة القدم موعودة خلال السنة القادمة مع رهانات كثيرة لبلوغ مستوى متقدم في تنزيل المنظومة الإحترافية، ومن أكبر هذه الرهانات، رهان الإدارة الجيدة للشركات الرياضية لتتحقق الفائدة القصوى من إحداثها، ورهان الأكاديميات ومراكز التكوين بمختلف درجاتها، ورهان مضاعفة الجهود لمزيد من تقوية البنى التحتية من ملاعب التداريب ومرافق رياضية، ورهان تطوير الإدارة التقنية الوطنية لصناعة كرة القدم المستوى العالي كأساس قوي لربح رهان التنافسية، ورهان تطوير منظومة التكوين لمختلف الفاعلين والمتدخلين في الفعل الكروي.
هو إذا جهاد أكبر تدخله كرة القدم الوطنية سنة 2020، ليس الغاية منه فقط أن تنجح منتخباتنا وأنديتنا في تحقيق الإنجازات القارية والتطلع للعالمية، ولكن الغاية منه أيضا أن نمتع احترافنا بكل ما يعطيه القوة ليتطور، هذه هي مسؤوليتنا جميعًا، وإلا سنقول بعد ردح من الزمن أن احترافنا ما أصبح أعرجا، إلا لأنه خرج من الخيمة مائلًا.