ينكب المغرب بمختلف مؤسساته الحزبية والنقابية وجمعيات المجتمع المدني، على إعداد النموذج التنموي الجديد الذي دعا صاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله، إلى صياغته ليكون مدخلا حقيقيا للمغرب إلى العقد الثالث من الألفية الثالثة، في إطار ما يمكن أن نصطلح عليه برؤية 2030.
ونحن نرصد جلسات الإنصات التي تعقدها تواليا اللجنة المختصة بإعداد خارطة الطريق هاته، وعلى رأسها السيد شكيب بنموسى، مع القيادات الحزبية والنقابية وجمعيات المجتمع المدني، يحضرنا سؤال حول نوعية وطبيعة حضور قطاع الرياضة في هذا النقاش الوطني العمومي، الذي سينبثق عنه نموذج تنموي لا نختلف على أهميته الإستراتيجية في بناء مغرب الغد، مغرب يخصب تجربته الديموقراطية ويخلص تنميته من كل المعطلات البنيوية والفكرية والتدبيرية أيضا.
ومع حضور السؤال، يحضر فينا ذاك القلق المزمن بأن الرياضة سيمارس عليها ذات الإقصاء الممنهج الذي لطالما مورس عليها في حراكات سابقة، من أقطاب الحوار والرأي، وستخرج تحت الإكراه من صلب النقاش، ولربما تسقط من أولويات النموذج التنموي الجديد، برغم أن الرياضة فكرا وفلسفة وهيكلا، تستطيع أن تكون من أكبر دعامات ورافعات هذا النموذج التنموي الجديد، تأسيسا على الوعي الملكي المتقدم بأهميتها الإستراتيجية في بناء الإنسان وفي بناء مجتمع القيم وفي محاربة كل الأعطاب الإجتماعية التي أصابت وتصيب مشروعنا التنموي، من هشاشة وإقصاء.
لا أدعي أنني أطلعت على كل المذكرات التي رفعتها الأحزاب السياسية للجنة المختصة بصياغة النموذج التنموي الجديد، ولكن ما تيسر لي الإطلاع عليه أصابني بالصدمة، فالرياضة تكاد تغيب كقطب فاعل عن تلك التصورات بمرتكزاتها ودعاماتها، وهذا التغييب يسأل عنه الفكر السياسي المغربي، المفترض أن يكون قوة اقتراحية تستحضر كل القطاعات المؤثرة عند تصميم المشهد، وعند هندسة معارك التنمية التي سيقبل عليها المغرب من هذا اليوم، بحمولاتها الجديدة وبأبعادها الوطنية والدولية، فالرياضة التي قال جلالة الملك محمد السادس، أنها حق من الحقوق الأساسية للإنسان المغربي، ودعا في الرسالة الملكية التي وجهها للمناظرة الوطنية حول الرياضة سنة 2008، «إلى توسيع نطاق ممارستها، لتشمل كافة شرائح المجتمع، ذكورا وإناثا على حد سواء، وتمتد لتشمل المناطق المحرومة والأشخاص ذوي الإحتياجات الخاصة، وذلك حتى تصبح رافعة قوية للتنمية البشرية وللإندماج والتلاحم الإجتماعي ومحاربة الإقصاء والحرمان والتهميش». 
الرياضة التي قال جلالة الملك في ذات الرسالة أنها متجذرة بكل أنواعها وفنونها في نفوس المغاربة، وفي هويتهم الجماعية.
«ذلك أننا أمة شغوفة، بالرياضة، معبأة بكل جماهيرها لنصرة وتشجيع أبطالها، معتزة أيما اعتزاز بما يحققونه من إنجازات ورفع علم المغرب خفاقًا في الملتقيات الدولية».
هذه الرياضة التي ثمن صاحب الجلالة الملك محمد السادس عاليا، أدوارها الإجتماعية والمجتمعية والإقتصادية، في بلورة المشروع التنموي الجديد، قدم لها قانون التربية البدنية والرياضة 09-30 الصادر سنة بعد انعقاد المناظرة الوطنية حول الرياضة، والذي يعتبر دستور الرياضة في ديباجته، تعريفات بنفس المعنى:
«تعتبر تنمية الرياضة اللبنة الجوهرية في مسلسل بناء مجتمع ديمقراطي وحداثي، مسلسل شكل أحد المشاريع المجتمعية الكبرى التي باشرها صاحب الجلالة الملك محمد السادس منذ اعتلائه عرش أسلافه الميامين. 
وتكتسي الرياضة في الواقع أهمية بالغة بالنسبة لكل مجتمع يصبو إلى إشاعة قيم الوطنية والمواطنة والتضامن والتسامح، وعليه تشكل الرياضة رافعة للتنمية البشرية ولتفتح كل شخص لا سيما الأشخاص المعاقين، وعنصرا مهما في التربية والثقافة وعاملا أساسيا في الصحة العمومية. 
ونظرا للدور الإجتماعي والإقتصادي للرياضة الذي وإن بدا بديهيا فإنه الأكثر إقناعا لتدخل الدولة في هذا القطاع، فإن التربية البدنية وممارسة الأنشطة الرياضية تدخل في إطار الصالح العام وتنميتهما تشكل مهمة من مهام المرفق العام التي ينبغي على الدولة مع الأشخاص الآخرين الخاضعين للقانون العام أو القانون الخاص القيام بها».
هذه الرياضة التي باتت حقا دستوريا عند تحييننا للدستور المغربي سنة 2011، لا يمكن بأي حال من الأحوال، أن لا تكون قطاعا مهيكلا ومشغلا وعمادا للنموذج التنموي الجديد في رهاناته الإجتماعية والإنمائية والإقتصادية، ومن يتحدث عن نموذج تنموي لا تحضر فيه الرياضة كمرتكز فهو خارج السياق الزمني الحاسم الذي نحن بصدده، ولا يمكن بالقطع الأخذ به، لأنه معتل الأول والآخر.
إن التنزيل الديموقراطي والموضوعي والنزيه للوظائف الموكولة للرياضة في التشريع المغربي وعلى الخصوص في المنظور الملكي، يفرض فرض عين أن يقترح النموذج التنموي الجديد مقاربة نوعية ذات فعالية وعمق لتدبير القطاع، فتمتيع المغاربة بحقهم الدستوري في الممارسة الرياضية، يوجب مواصلة تجويد وتطوير البنى التحتية من ملاعب للقرب ومن مركبات سوسيو رياضية بما يحقق التعميم والعدالة، وتحويل الرياضة إلى قطب مساهم في التنمية الإقتصادية يوجب التحرك الفوري لخلق منظومة تساهم في خلق الإستثمارات وتقنين الدعم العمومي للجمعيات النشيطة في النسيج الرياضي، وصناعة رياضة المستوى العالي يفرض انخراط الدولة في إطلاق جيل جديد من المراكز والأكاديميات المتخصصة في التكوين باعتماد نظام «دراسة ورياضة»، وأخيرا فإن تمكين الرياضة من لعب كل أدوراها الإجتماعية والإنمائية، يرتبط ارتباطا وثيقا بجعل الرياضة ملازمة لكل المبادرات التي أطلقها المغرب لدعم الجهوية الموسعة ولإعادة بناء مجتمع القيم.
بهذا المعنى، فإن الرياضة لا تستجدي منا مكانة أو موقعا، بل إنها تفرض نفسها كدعامة وكرافعة للبنيان، وأي نموذج تنموي لا يرفع مقام الرياضة ولا يجعلها فعلا مبنيا للمعلوم، هو نموذج معتل الأول والآخر..