لابد أن يكون احترافنا جبلا حتى لا تهزه الرياح الخبيثة التي تهب من الجهات الأربع محدثة في المشهد الكثير من الزوابع، ولا أظن أن احترافنا الوليد، له ما يكفي من الصلابة ليصمد أمام عاديات الزمن الكروي المترنح والموشوم بالكثير من الإنحرافات السلوكية.
بالطبع فإن كثيرا من هذا التضاد الحادث في المشهد الكروي الوطني، هو من فرضيات التمرين الإحترافي، الذي إن طوع كل الأضلاع المالية والمحاسباتية والبنيوية وحتى التقنية، فإنه سيجد صعوبة كبيرة في ترويض العقليات وفي نقلها إلى المستويات الفكرية التي تليق بمفهوم الإحترافية كسلوك، قبل أن تتحدث عن الإحتراف كنمط وكنظام، إلا أنه يصبح مصدر قلق عندما يستبيح الأنظمة ويكسر إشارات المرور ويفسد الود ويشيع الفتنة بين الفرقاء.
لن أكون عدميا، لأقول بأن احترافنا لن يستقيم، وبأنه خرج مائلا من الخيمة، وبأن من يحضرون الزمن الإحترافي هم شخوص وهميون لا أهلية لهم، ولكنني موقن من أن هذا النموذج الإحترافي الذي وضعنا أسسه وتوافقنا عليها، بحاجة لمن يغيثه ولمن يحميه ولمن يرفعه فوق سفاسف الأمور وفوق العاهات التدبيرية الملتصقة بالنوادي والمتداولة على نحو واسع في محيطنا الكروي، وعلى ذلك يمكن أن نقيم أمثلة كثيرة، أبرزها هذا الإحتقان الذي جرى تمريره للرأي العام عبر منصات التواصل الإجتماعي، وهذا التشكيك الذي يستهدف اليوم مصداقية مؤسسات وصية على كرة القدم الوطنية، من جامعة ومن عصبة احترافية ومن لجان للتحكيم والبرمجة.
نعلن الحرب على الرداءة والهشاشة في صناعة القرارات، وعلى كل من يصيب بالأذى النموذج الإحترافي المغربي، فهذا أوجب واجبات من هم حماة لكرة القدم، وعلى رأسهم رؤساء الاندية والمدربون ورجال الإعلام، ولكن ليس باسم هذه الحرب نصدر القذارات والعفونة، ونسود المشهد ونصيب الناس باليأس.
لن يدعي أحد بأن الحكام لا يخطئون، وبأن أخطاءهم تصيب أحيانا بالهوس وبالشك بخاصة عندما تستهدف فرقا بعينها، ولن ينفي أحد على لجنة البرمجة التابعة للعصبة الإحترافية ما أدخلتنا إليه، من دوامات لا تنتهي وما وضعتنا أمامه من كسر متعمد للوائح تحت ذريعة أن هناك حالة طوارئ، ولا يستطيع أحد أن يمنعنا من مساءلة لجنة التحكيم على هذه الأخطاء المتناسلة والموجبة لتحرير كل هذه الإحتجاجات التي يتردد صداها، برغم ما رصدته الجامعة للحكام من إمكانات لوجيستية، ومن رفاهية ذهنية لمصادرة كل أشكال الإنحراف في تطبيق القانون حتى لو لم تثبت في ذلك صفة العمد، ولكن هذا كله لا يستوجب ما نتابعه من اندلاق ومن توهيم الرأي العام الرياضي، من أن هناك مؤامرة تحاك ضد هذا النادي أو ذاك، وإن كانت هناك من حقيقة ترتفع على ما عداها من حقائق، فهي أن هناك مؤامرة مفضوحة على المشروع الإحترافي، ومن كابد مثلنا معاناة السنين من أجل ولادة هذا الإحتراف، لا يمكن إطلاقا أن يسمح بهكذا جناية.
طبعا لكل الأندية الحق في أن ترفع الصوت احتجاجا على مظلمة تنظيمية أو تحكيمية أصابتها، ومن واجب المؤسسات المعنية أن ترد على هذه المظلمات بما هو متاح لها، إلا أنني لشعوري الكبير بأن هذا الإحتقان جاوز كل الحدود وبالغ في تقدير نظرية المؤامرة، والسكوت عليه يمكن أن يقودنا إلى مزيد من السلخانات الكلامية، فإنني أدعو إلى وقفة صارمة مع النفس، وقفة في صورة تناظر تدعو له الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم بمعية العصبة الوطنية لكرة القدم الإحترافية، لبحث ما يظهر على أنها معطلات أصابت برمجة البطولة الإحترافية لسوء تدبيرنا لحالة استثنائية، وما يبدو على أنها أخطاء تحكيمية تحدث بتفاقمها شرخا كبيرا في العائلة الكروية.
ومع البحث عن مسببات هذا الترنح الحاصل في المشهد والذي يدفع بقوة نحو مزيد من الإحتقان، سيكون رؤساء الأندية التي تنشط في البطولتين الإحترافيتين الأولى والثانية، قد نظفوا المسار والجدران من كل الشك العالق بهما، وتوافقوا على قانون يحدد بدقة آليات البرمجة ويفرض فرض عين الخضوع لأحكامه من قبل الجميع ويعيد بناء الثقة بين اللجنة المركزية للتحكيم وبين الأندية في انتظار وصول «الفار» الذي سيكون عاملا مساعدا على تجاوز ما يقلق ويستفزو الجميع، من أخطاء تثير الشبهات، ولربما وصلوا في ذلك، إلى ما يقنعهم بمزيد من العمل لربح رهان استقلالية العصبة الوطنية لكرة القدم الإحترافية، الإستقلالية التي تمنحها القوة والحصانة والصلابة لإغاثة المشروع الإحترافي.
وقد يكون من موجبات هذه الحصانة والصلابة، أن تتخذ الأندية المشكلة للعصبة الوطنية لكرة القدم الإحترافية قرارا جريئا، بأن يكون على رأس هذه العصبة، رئيس مستقل بلا انتماء وأعضاء عاملون في مختلف اللجان لا أحد يزايد على أهليتهم أو يشكك في كفاءاتهم.