إذا كانت هناك من حاجة، للفت نظر سيبستيان دوسابر، أو بالأحرى تنبيهه إلى أن للوداد هوية تقنية يتفرد بها، ويدرك جميعنا أنها لو ضاعت هوى الصرح بكامله، وإذا كان لزامًا أن يصدر في ذلك بيان رسمي عن إدارة الوداد، فما الذي يفعله دوسابر أصلا في الوداد؟ ومن سمح له بأن يتجاوز الخطوط الحمراء؟ وهل من الطبيعي أن يذكر دوسابر ببديهيات يعرفها حق المعرفة وهو من سبق له تدريب الوداد في زمن مضى؟
لا أريد أن أعود لأصل الحكاية، لقرار إعادة سيبستيان دوسابر للإشراف على العارضة التقنية للوداد، وما يحمله في ثناياه من مجازفات، فالرجل قدم ذات وقت للوداد وتحمل المسؤولية التقنية بديلا لجون طوشاك المبعد من الوداد على خلفية الخسارة الثقيلة بمصر أمام الزمالك برباعية في نصف نهائي عصبة الأبطال، وأقيل بسبب تراجع النتائج، وبعدها خاض تجارب لا أرى فيها نسبًا عالية للنجاح، وكان يفترض أن تخضع هذه العودة لتمحيص تقني وتدقيق رياضي واستقراء استباقي، ولو أنها تدخل في إطار الطوارئ، مادام أن دوسابر حل بديلا لمانولوفيتش في منتصف الموسم، ويعذر في أنه يرتبط بفريق لم يحضره بدنيًا ولم يشرف على انتداباته، ولو أن العذر لا يؤخذ به كاملا مادام أن دوسابر يعود للوداد بنفس الصورة التي أتى بها أول مرة سنة 2016.
شخصيا لا أريد أن أطعن في كفاءة دوسابر، ولا أدعي أنني جازم في الحكم بفشله، أو حتى بعدم مطابقته المرحلة، وبأنه ليس رجل المهمة، إلا أنني أرى في ضرورة تنبيهه في موقف عام، في اجتماع لم يخل من تقريع ووعيد، على أن للوداد هوية تقنية لا يمكن أبدا التنازل عنها، لأنها هي ما يصنع التميز محليا وقاريا، كما أن للغريم الرجاء هوية هي من الثوابت التي يحصل حولها الإجماع، وكما أن لأندية أخرى هويات، من تخلى عنها وجد نفسه في أسفل سافلين.
إنني أخلص من ذلك كله، إلى أن قرار إعادة دوسابر للوداد لم يخضع لتحليل عميق، كما أن دوسابر لم يشعر بأي وصاية ولم يحس بأي رقابة، حتى يفكر في قلب الخريطة التقنية إلى الدرجة التي توصله إلى تحوير أو مسخ الهوية التقنية للوداد، وهو الأمر الذي وقفنا عليه جميعًا في آخر ثلاث مباريات، حيث لم نعتر للوداد على أثر تقني يدل عليه.
إن حاجة الوداد إلى التماسك وإلى النهوض من كبوته والتسلح بهويته التاريخية، تفرض مثل هذه الصدمات الكهربائية لإعادة الأمور إلى نصابها والحد من الإنفلاتات التي تدل عليها صيغة ومضمون بلاغ الوداد، والذي قال بأن «هامش التسامح لم يعد موجودا»، فالفريق يوجد في مفترق الطرق وأمامه جبلان شاهقان وكبيران، عصبة الأبطال التي تعود على بلوغ قممها والبطولة الإحترافية التي يتطلع للقب جديد فيها.
شخصيا لا أشكك في الإضافات النوعية التي قدمها سعيد الناصيري للوداد، وجاحد من ينكر عليه أنه قاد الوداد في فترة رئاسته إلى تحقيق لقب لعصبة الأبطال، غاب عن خزائن الوداد لسنوات كثيرة، وإلى الفوز بثلاثة ألقاب للبطولة الإحترافية، ولكنني جازم في الإعتقاد أن العمل الهيكلي لم يكتمل لتحويل الوداد إلى مؤسسة تدار بشكل احترافي قائم على احترام التخصصات واعتماد الكفاءة في التدبير والإستثمار على نحو جيد في الرأسمال التاريخي للوداد وفي القاعدة الجماهيرية العريضة، والعمل المؤسسي يفرض فرض عين أن لا يقترب أي كان من الهوية ومن الإرث التاريخي فيعبث بهما.
تلك هي الخطوط الحمراء وتلك هي المحظورات التي يجب أن يدركها كل من يأتي للعمل في الوداد وغيره من الأندية.