شخصيا ما كنت أظن أن الوداد والرجاء قلصا بشكل كبير هامش الخطورة، وهما يدخلان مستنقع التماسيح برادس وبلوبومباشي للعب جولة إياب الدور ربع النهائي لعصبة الأبطال الإفريقية، وفي الوعاء والرصيد، رأسمال صغير قوامه فوز بهدفين نظيفين.
كنت واثقا من أن الوداد والرجاء يحتاجان إلى قلوب من حديد وإلى عزيمة من فولاذ وإلى صبر فيه شيء من صبر أيوب، لإنجاز الشق الصعب في معادلة التواجد في مربع الأبطال، ولكنني ما كنت أتوقع أبدا أن يضعنا الوداد والرجاء في تلك الطاحونة التي تفرم الأعصاب، فكلاهما اختار أصعب ما في كرة القدم، بل وأكثر شيء تذمه وتبغضه الجماهير العاشقة لكرة القدم الجميلة، اللعب بأحزمة دفاعية ناسفة لكل الميلادات الهجومية للمنافس.
ليس كل الفرق بمقدورها أن تلعب بمنظومة دفاعية تتأسس على «البلوك» المتراجع أو الساقط، وتنتظم في جدارين دفاعيين ناسفين وتقيم الخيام أمام حارس مرماها، ولا تنام لها عين ولا يرف لها رمش، مخافة أن يتسلل المنافس ويحدث شرخا في تلك المنظومة، ما كل الفرق التي شاهدتها في العقدين الأخيرين نجحت في إحباط «التيكي تاكا» المؤسسة على الإحتكار المطلق للكرة وعلى اللعب ببلوك متقدم لخنق شرايين الخصم، لذلك خفت على الرجاء أولا وهو يختار أصعب ما في الخيارات التكتيكية، اللعب في آخر 20 مترا من منطقته وهو يعرف أن بملعب الأشباح تماسيح تعشق رائحة الدم، وخفت أيضا على الوداد وهو يقرر الإنتصاب أمام التكناوتي بجدارين دفاعيين لمصادرة كل إعصارات النجم الساحلي.
ما من شك أن الرجاء والوداد احتميا بالفوز الذي تحقق في الذهاب، لأن الخروج من عصبة الأبطال كان يفرض أحد الأمرين، إما أن يخسر بثلاثية نظيفة أو يخسر بهدفين، وبعد ذلك يدخل جحيم الضربات الترجيحية، ولكن هل فعلا اتفق السلامي وغاريدو على مواجهة مازيمبي والنجم الساحلي بسلاح التكتل الدفاعي، وإدخالنا عنوة لما يزيد عن الثلاث ساعات، في بؤرة الفزع والمعاناة والضغط الذي يدمر الاعصاب؟
لا أعتقد أن السلامي وغاريدو وضعا للمباراة ذاك السيناريو الذي شاهدناه، ولا أعتقد أنهما أوصيا اللاعبين بنصب خيام أمام مرمى الزنيتي والتكناوتي لصد غارات مازيمبي والنجم الساحلي، فلا مازيمبي ولا النجم يتقنان شاكلة «التيكي طاكا» حتى يكره الرجاء والوداد على التمنطق بالأحزمة الدفاعية الواقية، بل إن الرجاء الذي بدأ المباراة ضاغطا، كان سيلوم نفسه كثيرا لأنه لم يحسن التعامل مع ثلاث فرص لاحت له في أول عشر دقائق من زمن المباراة، بل إنه كان في طريقه ليضعنا جميعا تحت المقصلة، ومازيمبي يتحصل على ضربة جزاء بعد تسجيله للهدف الأول، لولا أن خبرة وبراعة ورزانة الزنيتي بطل المباراة حضرت لتجهض ضربة جزاء تلك وقد أعلن عنها الحكم المثير للجدل باملاك تيسيما، في وقت بالغ الخطورة.
في جينات اللاعبين ما يدفعهم تلقائيا للدفاع عن الرصيد المكتسب، ويزداد هذا الخوف الفطري الذي يحرض على الإنكماش بعد أن يخسر الفريق إحدى مرتداته، لذلك كان من الجنون فعلا أن يأمر السلامي وغاريدو لاعبيه باللعب ب «بلوك» متراجع كثيرا للخلف، لأن التنازل عن وسط الميدان وإفراغ المساحات للخصم، معناه أن يدخل لاعبو الرجاء والوداد إلى خنادق غير مؤمنة، بل والتحول إلى ملاكم يتراجع بضغط رهيب من خصمه إلى زاوية ضيقة، ولا يفعل شيئا غير صد لكمات المنافس وعينك ما تشوف إلا الضرب المبرح.
لا كارطيرون أمر لاعبي الزمالك بإقامة المتاريس الدفاعية أمام مرماه لإحباط هجمات الترجي، ولا السلامي وجه النسور للإختباء خلف الجدارات الدفاعية لاتقاء شر التماسيح، ولا غاريدو وجه الفرسان الحمر لإقامة الخطوط العازلة للدفاع عن مرمى التكناوتي، هناك خوف مكتسب للاعبين يعبرون عنه بشكل تلقائي، وطبعا لا يلامون في ذلك، لأن تكوينهم لا يشجع على نقيض ذلك، ولأن ما يشاهدونه في ملاعب كأنها الجحيم من تعديات وخروقات، لا يعطيهم الأمان لكي يخرجوا من جحورهم الدفاعية.
لا خلاف على أن الخطة نجحت، برغم ما نبديه من تحفظ وبرغم ما فرضته المبارتان معا على "الأدرينالين" حتى ارتفع لدينا منسوب الخوف والتوتر، وعلينا أن نكون فخورين بنسورنا الخضر وبفرساننا الحمر وقد بلغوا بعلامة التقدير والإستحقاق الدور نصف النهائي لعصبة الأبطال الإفريقية، هو تأهل يتحقق بروح الأبطال، وكما أنه تأهل يبطل كل الإدعاءات الكاذبة من أن هناك مطابخ سرية تبرمج هذا النجاح، فإنه يؤكد أن الكرة المغربية باتت من المرجعيات الكبرى لكرة القدم الإفريقية، ومن يقول بأن هذا التميز يتحقق بشيء آخر غير العمل، فإنه مصاب بنوبة هذيان والله يشفيه.