مؤسف أن نظل إلى اليوم منحازين لنظرية المؤامرة، ولا نرى غيرها سببا في أي نكبة كروية تحل بنا نحن معشر العرب والأفارقة، فلا تسبب في الإعاقات، ولا أنتج الأعطاب التي تعيشها الكرتان العربية والإفريقية، شيء آخر غير الإمعان والإصرار في الإعتقاد، بأن الفشل الكروي هو دائما بفعل فاعل مستتر، إما قوه قاهرة تخرج من رؤوس الشياطين، وإما مؤامرة تحاك في السراديب المظلمة، وإما تحرش خارجي أو حسد استشرى وكبر شره، فلا نستطيع له دفعا.
ذاك وجه من أوجه السوء والبلاهة في استعمال الحكامة عند تدبير شأننا الكروي العربي والإفريقي، فلا شجاعة لدينا لنعترف بأننا مخطئون وبأن الهزيمة التي تلتصق بتلابيبنا هي من صنع تدبيرنا الأحمق والأرعن، وكم أهدرنا من زمن في البحث للإقصاء وللهزيمة عن جناة مفترضين مع أننا نحن الجناة، فالعيب فينا لا في زماننا.
مناسبة هذا المدخل، ما أطلعت عليه متداعيا في كثير من المنصات الإعلامية، من ردود فعل من الزملاء في الصحافة التونسية، عن الإقصاء المزدوج لممثلي الكرة التونسية، الترجي الرياضي والنجم الساحلي، من الدور ربع النهائي لعصبة الأبطال الإفريقية، فكثير منها للأسف، جنح بالعمد للحديث عن مؤثرات خارجية وعن أياد وسخة هي من خططت في الخفاء لهذا الإقصاء، وعن مؤامرة تحاك داخل الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم ضد كرة القدم التونسية، وبرع بعض هؤلاء في نسج خيوط هذه المؤامرة المفترضة بل والمفبركة، حتى صار الوهم حقيقة يجب أن تصدق.
وأنا أتساءل، من منكم اشتم رائحة المؤامرة في إقصاء الزمالك المصري للترجي التونسي؟
ومن منكم يستطيع أن يقدم دليلا واحدا، على أن هناك يدا آثمة امتدت في الخفاء لتجهز على النجم الساحلي التونسي في مباراته أمام الوداد البيضاوي؟
ومن منكم يحمل دليل إدانة واحد لكل الذين حكموا المباريات الأربع للناديين التونسيين في الدور ربع النهائي؟ بل من يستطيع أن يحصي ذنبا واحدا للحكم المغربي رضوان جيد في إدارته لمباراة الزمالك والترجي بالقاهرة؟
وإذا كان هناك من يعلق إقصاء الترجي على شماعة الحكم المغربي رضوان جيد، ويهيم في ظلمات وهمه، جازما في القول أن الحكم المغربي جيد كان مسخرا من الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم للإطاحة بالترجي، فأنا أحيله على ما فعله الحكم المصري جهاد جريشة في ذهاب الدور النهائي للنسخة الماضية لعصبة الأبطال، وهو يسلخ جلد الوداد هنا بالمغرب ويحرمه من هدف صحيح ومن ضربة جزاء لا غبار عليها، بل وأحيله على فضيحة رادس التي ستظل عالقة بأذهان الجميع، والكل يكتشف عطل «الڤار»، ليصبح ذلك مسبة ومجلبة للعار، لنا كأفارقة.
إن خلا الدور نصف النهائي لعصبة الأبطال الإفريقية من الأندية التونسية وبخاصة من الترجي الرياضي بطل النسختين الأخيرتين، وإن عجزت الأندية التونسية عن تخطي دور مجموعات كأس الكونفدرالية، فهذه حالة إخفاق وفشل، أنصح الإخوة بتونس أن يربطوها بمسبباتها الحقيقية، لا أن يبحثوا لها عن جناة مفترضين من صنع خيالاتهم، وبتحريض من نظرية المؤامرة التي استوطنت كل زوايا تفكيرنا العربي والإفريقي.
هذا الخلو الكامل للمربع الذهبي لعصبة الأبطال ولكأس الكونفدرالية من الأندية التونسية، هو إشارة قوية على أن خللا حدث بالمنظومة الكروية بتونس ودليل على أن اختناقا حدث بالآلة، ومن مصلحة الكرة التونسية أن يذهب أصحاب الحل والعقد رأسا للبحث عن مسببات الإختناق، بدل اختلاق الأوهام وتصديقها، وبدل الردح في المنصات الإعلامية من دون أدنى وازع أخلاقي ولا رادع مهني.
لا أدعي أننا في المغرب لم نشك يوما من هذه النوبة، فكنا نمسك كثيرا بتلابيب التحكيم ونصرخ على الملأ بوجود مؤامرة تحاك ضدنا ممن يرهبهم صعودنا، من داخل الكنفدرالية الإفريقية بسبب غياب من يحمي ظهرنا، بل ونربط السقوط القاري بالمحن والمصاعب والمشاق التي تتحملها نوادينا في سفرها إلى الأدغال الإفريقية، وبفرض أن هناك نسبة تأثير لكل هذه الأشياء في مسارنا الكروي بإفريقيا، إلا أن الإحتكام إليها فقط هو ما تسبب في غيابنا المتواتر عن الصدارة إفريقيا على مستوى النوادي، وطبعا عندما نظفنا تفكيرنا من أعشاش الوهم وتخلصنا من جاذبية المؤامرة وانطلقنا إلى العمل، نجحنا في استعادة المكانة التي نستحقها قاريا.
لذلك، فكما أن نجاح المغرب في تأهيل أربعة أندية لأول مرة للمربع الذهبي لعصبة الأبطال وكأس الكونفدرالية، يجب أن ينسب للعمل الإحترافي لا إلى القوة المجهولة، فإن مصلحة الكرة التونسية في أن تنسب فشل أنديتها قاريا وعربيا إلى مسبباتها الموضوعية، عساها تنهض من جديد، لأن الإطالة في الوقوف عند حائط التشكي والتباكي، سيدمي العيون ويفشل القلوب.