لم يمهل الحسين عبيابة، لا نفسه ولا المنشغلين بترصد تحركاته بين أروقة ثلاث مؤسسات حكومية، حتى ينصفوه ويعطوه حقه في استقراء حصيلته للستة أشهر التي قضاها في حكومة سعد الدين العثماني، وزيرا للثقافة وللشباب والرياضة ومسؤولا عن قطاع الإتصال وناطقا رسميا باسم الحكومة، فالرجل فيما يبدو تبخر سريعا في الهواء بسبب أنه اختار التحليق لكل هذه الأعشاش الساخنة بأجنحة متكسرة، فانسحق بفعل الهجوم الضاغط للعشرات من الملفات الشائكة، وارتكب من أخطاء التقدير والمبادرة المتسرعة وزلات اللسان ما استوجب تعرضه للكثير من الجائحات، فلم يكن هناك من مناص ومن بد لإحالته فورا ومبكرا على المعاش السياسي.
صدقا لا أريد أن أخوض في المحرمات السياسية التي سقط فيها الحسين عبيابة، ولا موجبات عزله من موقع المسؤولية في ظرفية دقيقة تجتازها بلادنا، كما لا أستطيع أن أحصي لمبادراته عددا في القطاع الرياضي تحديدا، حتى لا أتطاول على مجالات ليست من اختصاصي، فأنا شخصيا لا أكاد أعرف واحدة منها، فالرجل كما جاء مسرعا إلينا رحل عنا مسرعا، فالستة أشهر التي قضاها على رأس المؤسسات الثلاث لم تكن كافية لكي يقدم لنا خارطة طريق، ومقياسا للسرعة التي سيسير بها في طريق شائك وموحش، بل إنها لم تكفه أصلا ليتعرف على ردهات الوزارات الثلاث فبالأحرى أن ينكب على ملفاتها الثقيلة، لذلك لا أظن أن الحسين عبيابة ترك أصلا للشاب عثمان الفردوس الوزير الجديد للثقافة والشباب والرياضة، إرثا يشتغل عليه أو يراكم عليه.
يأتي عثمان الفردوس إلى ملعب الرياضة، وهو أشبه ما يكون بالبركة المتجمدة والراكدة التي لم ترم فيها ولا حجرة واحدة، منذ أن غادرها رشيد الطالبي العلمي الذي سبق عبيابة إلى إدارة قطاع الشباب والرياضة، ما يعني أن الفردوس سيدخل في سباق مع الزمن من أجل تحريك عشرات الملفات الساخنة والحسم فيها بكثير من البراغماتية والمباشرة والدقة، وهي صفات لا أخال أنها مفتقدة في التكوين الأكاديمي للشاب الفردوس، الوزير الذي يحمل رصيدا علميا وخبرة ميدانية وجرأة كبيرة على معالجة المرفق الرياضي على وجه الخصوص، فإن شفعت له معرفته الدقيقة بمتطلبات الحكامة الجيدة الخوض الجريء في الملفات الثقيلة، فإن ما يشفع له قدرته على فهم شعاب الرياضة وإشكالاتها المتداخلة والسر وراء تعثر استراتيجيتها، هو أنه إبن عائلة رياضية فوالده طيب الذكر الأستاذ عبد الله الفردوس القيادي في الحزب الدستوري، والفعالية الرياضية الوطنية الذي ترأس الرجاء البيضاوي بداية الثمانينيات من القرن الماضي، وانتمى بالقلب والفكر لجيل الرواد الذي صنع واحدا من أزمنة كرة القدم الجميلة، جيل قاده المرحومان المعطي بوعبيد وعبد اللطيف السملالي.
سيكون لزاما إنعاش الإستراتيجية الوطنية حول الرياضة، بالإنكباب سريعا على كل أوراشها لمعرفة ما أنجز وما لم ينجز فيها، فما نحن مقبلون عليه في المغرب، مرحلة سيتم فيها تنزيل النموذج التنموي الجديد الذي من شأنه أن يضع بلادنا في سياق رؤية 2030، رؤية سيكون مركزها وقطبها الأساسي هو تنمية الإنسان، وسترتكب جريمة في حق الرياضة، إذا لم تمنح المكانة التي تستحق داخل هذا النموذج التنموي ونكون نحن الجناة فيها، كما سيكون مرفوضا أن نقترح على هذا النموذج التنموي رياضة مليئة بالأعطاب والتشوهات والأزمات الهيكلية و«الحوكماتية».
من المؤكد أن بداخل وزارة الشباب والرياضة، وفي رفوف رؤساء المديريات، العشرات من الدراسات المعمقة وتقارير حالة ودراسات ميدانية مؤدى عنها، لحالة التأزم التي لازمت الرياضة الوطنية في صراعها من أجل إقرار الحكامة الجيدة والدمقرطة في التسيير والمشاريع الجالبة للمنفعة والمذرة للدخل.
أتمنى أن لا يمضي الوزير الجديد وقتا طويلا في التعرف على المديريات والمصالح، برغم أن له الحق الكامل في الإطلاع على دينامية الإشتغال وطريقة تدبير الملفات والأزمات، لأن ما يملكه من وقت قبل حلول موعد الإنتخابات الجماعية التي ستفرز حكومة جديدة سنة 2021، لن يسعفه كثيرا لكل التسخينات التقليدية، مكتوب ومقدر للشاب عثمان الفردوس أن يدخل مباراة مصيرية من دون حاجة لا للإحماء ولا للتكيف مع المشهد الساخن، لينجز وهذا أملنا ما لم يستطعه سلفه، فكثير من المباريات تربح بالإرادة وبالتكتيك الجيد الذي يخفي أحيانا ضعف المنسوب البدني، ولي كامل الثقة في أن محيط عثمان سيكون له خير معين لكسب الرهان..