إختار المكتب المديري للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم التوقيت المناسب ليدعو إلى تناظر عن بعد، يتم من خلاله بحث التداعيات السلبية لجائحة «كورونا» على مشهد كروي ساده كما غيره من المشاهد الإبداعية والثقافية والفنية صمت القبور، ويتعمق التفكير في الطريقة التي ستخرج بها كرة القدم من غيبوبتها بمجرد أن تبدأ بلادنا فعليا في رفع الحجر الصحي الذي سيكمل يوم 20 ماي شهره الثاني.
ما كان ضروريا أن تتحرك الجامعة قبل هذا الوقت للإستفاضة في النقاش الجماعي، ولوضع خطط واقعية لانتشال كرة القدم من بؤرة وباء التوقف، فقد كان ضروريا أن يمهل القائمون على شأنها، أنفسهم بعض الوقت إلى حين اتضاح الرؤية، فما بدا ولا يبدو حتى الآن أن خلاصنا من مترسبات ومخاطر الجائحة سيكون هينا ولا ميسرا.. صحيح أننا بدافع الفضول تساءلنا عن التنويم الحاصل لأزمة الأندية الوطنية من أول يوم توقفت فيه الكرة عن الدوران، وبدافع رصد النوايا طالبنا بردة فعل حيال هذا الذي يحدث، فلا الأندية ستصمد كثيرا أمام الجائحة ولا الجامعة نفسها وهي المسؤولة رياضيا وأخلاقيا على مصائر الأندية، ستقف طويلا بلا أدنى حراك يسائل المشهد الحالي عن إسقاطاته وارتباكاته وتداعياته التي تهدد فعلا بالإفلاس..
والحقيقة أن الجامعة تصرفت في حدود الوصاية التي تملكها على المشهد الكروي، وما فكرت أن تستبق ولا أن تخلق جدلا من باب الترف الفكري، ولا أرادت أن تتطاول على مؤسسات هي أجدر منها بتحديد مصلحة البلاد، ولا زايدت في اللازمة التي تبنيناها جميعا، وهي أن الصحة تعلو على ما سواها وما من شيء يمكن أن يعلو عليها في ظل ما تمثله الجائحة من تهديد فعلي لحياة الناس.
ويستمد التوقيت الذي اختارته الجامعة للتداول بشأن المآل القريب لكرة القدم، قيمته بل واستراتيجيته من الفتحات التي فتحتها «الفيفا» في جدار الصمت، عندما بادرت من خلال لجنة الطوارئ إلى دراسة الأزمة المعولمة، وانتهت إلى مخرجات وزعتها على الجامعات الوطنية وتركت لها هامش المناورة والتنقيح والإستزادة بحسب ظروف كل منها.
على هذه الأرضية المقترحة من «الفيفا» إجتمع إذا المكتب المديري للجامعة وعالج الوضعية بكثير من الحكمة وباحترام مطلق للمرجعيات الوطنية والدولية، بعيدا عما ساد مشاهد كروية في دول عظمى من جدل ومن شد وجدب ومن مزايدات أيضا، طبعا كان متوقعا أن لا تقول لنا الجامعة في أعقاب هذا الإجتماع، هل ستعود كرة القدم للدوران؟ وإن عادت للدوران فكيف ستعود وبأي ضمانات صحية؟ لطالما أن قرارا بهذه السيادية يجب أن يطلع أولا من الحكومة، تحديدا من لجنة اليقظة التي تتابع بعيون متفحصة ومدققة تطورات الحالة الوبائية، فكيف نتكهن بنوعية القرار الذي سيتخذ بشأن البطولة الإحترافية، استمرارها من عدمه، ونحن لا نعرف ما إذا كان حجرنا الصحي سينتهي يوم 20 ماي، وإن انتهى بأي بروتكول صحي سنغادر المعازل؟
لحساب التوقعات وضبط سيناريو الخروج، شكلت الجامعة لجنة مختلطة ستضع اليوم على أبعد تقدير رؤيتها ومقترح «البروتوكول الصحي للعودة»، على طاولة رئيس الجامعة، في انتظار ما سيستجد خلال الأيام القادمة ونحن ندنو من يوم 20 ماي منتهى الحجر الصحي الممدد، إلا أن ما بدا قويا في مخرجات ذاك الإجتماع الذي ضم أيضا مختلف مكونات العائلة الكروية الوطنية، هو تفعيل قرار «الفيفا» بشروع الأندية في فتح باب التفاوض مع لاعبيها من أجل إقناعهم بنسب خصم مقترحة على أجورهم لتخفيف عبء الأزمة المالية، والحال أن الأمر يجب أن يتم باحترام كامل للضوابط المشار إليها في إرسالية «الفيفا»، فلا إكراه ولا ضرب للمصالح ولا إضرار باللاعبين وبالمؤطرين.
ما يعني أن القرار إن صدر بتفعيل إرسالية «الفيفا» فلابد من وضع ضوابط مقننة ومؤسسة على التشريعات التعاقدية لسلامة هذا الفعل التضامني والإختياري، وللتقيد بالنسب المنطقية بحسب وضعيات اللاعبين المالية، والتي تتفاوت ليس فقط بين الأندية ولكن أيضا داخل النادي الواحد، والحال أن عددا من اللاعبين لم يحصلوا من نواديهم على منح التوقيع للموسم الماضي، فمن أين يا ترى سنخصم، من الأجور الهزيلة التي تعيل بالكاد كثيرا منهم؟ أم من منح التوقيع المستحقة بموجب العقود والمعلقة إلى الآن؟
واثق أنا من أن هناك تعبئة شاملة ينخرط فيها اللاعبون والمدربون والأجراء، هي صورة من التعبئة الوطنية الرائعة التي عبر عنها المغاربة منذ أن حلت بنا الجائحة وفدت لشعوب العالم نموذجا يحتدى به، ولكن خوفا من حدوث أي تصدع وأي تجاوزات في إعمال التخفيض على الأجور، سيكون من الضروري أن تكون للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم عين مراقبة ومعاينة لكل هذا الذي سيحدث مع تفعيل قرار تخفيض الأجور، حتى لا تصبح الجائحة جائحتين..