كان كارل هانز رومنيعي أسطورة كرة القدم الألمانية، الرئيس التنفيذي للنادي الشهير بايرن ميونيخ، محقا عندما قال، أن عيون العالم ستتحول هذه السبت إلى ألمانيا، لتشهد التحدي الكبير الذي تتزعمه الدولة الجرمانية، وهي تكسر الطوق وتخرج من الحجر الصحي وتعيد الكرة إلى الدوران، بعد شهرين من التوقف القسري الذي شبهه البعض بالموت الإكلينيكي.
ليس القصد أن نرى بأي شكل ستعود الحياة لكرة القدم، وبأي درجات ستضخ مباريات الدوري الألماني المستأنفة البهجة في شريان الناس، ولكن هناك ما هو أبعد وأبلغ من ذلك، فالعالم بحاجة لأن يطلع على ما ستؤول إليه التجربة الألمانية، لعله يفلح في إعادة الحياة لملاعب أوصدتها لزمن طويل جائحة «كورورنا»، طبعا إن تأكد له أن «البوندسليغا» نجحت في هدم الجدارات الحاجبة والسميكة التي نصبتها «كورونا».
بالقطع ما كان لألمانيا التي لم يخل مشهدها من وباء كوفيد 19، فإلى حدود أمس الأربعاء كانت ألمانيا قد سجلت قرابة 400 حالة جديدة و42 حالة وفاة، ليصل إجمالي المصابين إلى 173.546 وإجمالي المتوفين 7780، ما كان لها أن تبادر إلى إطلاق «البوندسليغا» من جحرها، لو أنها لم تحصل على إشارة الضوء الأخضر من الحكومة الألمانية ولو أنها لم تطمئن إلى قساوة وصلابة التدابير الوقائية والإحترازية وإلى سلامة البروتوكول الصحي الذي يأمن على كل المتدخلين في اللعبة.
هذا الرجوع المتواتر للبطولات، ليس كل الدول قبلت به ولا حتى فكرت فيه نتيجة ما شاهدته بأم العين من غزو رهيب بل وبربري للفيروس التاجي، ففرنسا بدت حاسمة في الموقف وقررت بسبق يقين من المخاطر التي تنطوي عليها العودة للتباري، توقيف بطولاتها، وعلى نفس المنوال نسجت دول كبلجيكا وهولندا، بينما تركت دول أخرى ومنها المغرب هامش المراقبة والمعاينة للتطورات التي ستحدث في القادم من أيام، لذلك لا يجب أن يفهم أبدا أن الجامعة وهي تحدث لجنة مختصة لوضع «استراتيجية عودة البطولة»، أجابت على سؤال الرجوع إلى الملاعب من عدمه، فهي أصلا لا تملك الجواب، لماذا؟ ببساطة شديدة لأنه بيد الحكومة، بيد لجنة اليقظة التي تتابع تطورات الحالة الوبائية ببلادنا.
طبعا هناك من سيسأل مستنكرا ومستغربا، ولماذا تبادر الجامعة إلى رسم هذه الخطاطات، وهي لا تملك أي عنصر من عناصر الإجابة على سؤال العودة؟ وسيأتي الجواب تلقائيا وآنيا، في صيغة سؤال مضاد، وما الذي يمنع الجامعة من أن تفكر وتخمن وتصوغ رؤية واضحة عن أي عودة محتملة للبطولة الإحترافية بقسيمها الأول والثاني؟ بالقطع لا شيء يمنع ذلك، بخاصة وأن الرؤية ستتضح بشكل كبير مع اقترابنا من نهاية الفترة الممدة للحجر الصحي ولحالة الطوارئ الصحية، أي 20 ماي.
لابد أن تكون الجامعة الوصية على الأندية وعلى كرة القدم، قد قدرت ما يوجد عليها اللاعبون من وضعيات مبهمة ومقلقة وهم يكرهون على تداريب منزلية تستنزف الكثير من منسوبهم البدني وحتى الذهني، وما تتخبط فيه الأندية من أزمات مالية نتيجة انسداد الأفق ونتيجة غلق صنابير الدعم، وسواء الأندية أو اللاعبون، كلاهم بحاجة إلى من يقول لهم ماذا سيحدث غدا؟ هل ستعود البطولة؟ أم سيتم إلغاؤها كما كان الحال في فرنسا وبلجيكا وهولندا؟
من منطلق الإستشراف والإستعداد القبلي لأي فرضية ستأتي حتما اليوم أو غدا، فقد أطلقت الجامعة ورشة للتفكير في استراتيجية العودة، عهدت برئاستها للبراغماتي حمزة الحجوي نائب الرئيس وأكثر أعضاء مكتبها المديري علمية وحاكمة في تدبير مثل هذه الملفات الثقيلة، والحقيقة أن ما أطلعت عليه من تدابير غاية في القساوة والحرص لإعادة كرة القدم للدوران ببلادنا، هو من جنس التدابير القوية التي اتخذها المغرب منذ أول يوم ضربتنا فيه جائحة «كورونا»، ففي «استراتيجية عودة البطولة الإحترافية» إن منح الضوء الاخضر من الحكومة لتنزيلها، ما يدل على أن لا شيء ترك للصدفة بخاصة عندما يتعلق الأمر بالأرمادا الصحية، فكأني بالجامعة ستستعير فلسفة «الدفاع الخرساني» لتمكين الجماهير المغربية من مشاهدة الفصل الأخير من البطولة الإحترافية، ويمكنكم الإطلاع على البروتوكول الكامل الذي اقترحته اللجنة المختلطة في جانب آخر من هذه الصفحة..
بالمطلق لا أحد بيننا يساوم في صحة الناس، ولا أحد يمكن أن يزايد في نجاعة التدابير الإسمنتية التي اتخذتها بلادنا لمكافحة الجائحة وباتت للعالم مرجعا في النجاعة وحكمة المقاربة، لذلك فإن أي قرار بالعودة إلى التباري تتخذه السلطات المختصة، سيكون مرفوقا بجبل من التعلميات والإحتراسات والتحضيرات، ذلك أن الأندية ستحصل بحسب استراتيجية العودة على شهر من التحضيرات البدنية الجماعية، نصف الشهر الأول سيكون خلاله اللاعبون موضوعين في حجر صحي كامل ومختبرين باختبارات كشف الوباء، وبعد انقضاء الشهر يجري تجميع الأندية 16 للقسم الأول والأندية 16 للقسم الثاني في محورين، كل محور يوفر على الأقل 6 ملاعب للتباري وفنادق لإقامة الفرق، وتجرى المباريات كل ثلاثة أيام بهدف إنهاء الموسم الكروي في غضون شهرين من اللعب.
طبعا نتطلع إلى أن تعود الكرة إلى الدوران، فهي بمجرى الدم في شرياننا، ولكن لا مجال ولا هامش للخطإ مهما كان صغيرا، لأنه سيضرب الإستراتيجية من أساسها..