ما يصيب كرة القدم وكثير من الرياضات اليوم من تحجر وعطالة وتوقف كامل للنبض بفعل جائحة «كورونا» هو أخف وطأة من هذا الذي ضرب ويضرب كرة السلة الوطنية، وترتب عنه أن رياضة المثقفين تدخل موسمها الأبيض الثاني على التوالي، بسبب جائحة هي أكثر فتكا من جائحة كوفيد 19، جائحة التنكيل والتقتيل والمشي فوق جثة القانون..
كل محاولات رأب الصدع باءت بالفشل، وكل محاولات تقريب وجهات النظر اختنقت في نصف الطريق، وكل مساعي الصلح تحولت إلى بالونات تطير في الهواء وتنفجر الواحدة بعد الأخرى بسبب نقص في الأوكسجين، وتحول مشهد كرة السلة الكئيب إلى ساحات تتطاير منها أدخنة الحروب والدسائس، الجريمة مثبتة في حق كرة السلة والجناة يتبارون في إشهار براءتهم ودم هذه الرياضة الشهيدة يلوث أيديهم..
حاولت جاهدا أن أفهم هذا الذي يحدث في ملعب السلة من مناورات وتربيطات وتحالفات، أن أعرف لهذا التطاحن سببا وأن أحدس له بداية ونهاية، فما أقنعني شيء مما سمعت أو قرأت، إلا أن تكون كرة السلة قد ذبحت من الوريد إلى الوريد بأيدي أبنائها، أو من انتسبوا إليها، أو من حملوا إرثها فعاتوا فيه فسادا..
قد تكون الحرائق اشتعلت مع وصول أوراش لرئاسة الجامعة، إما بسبب أنه أخل بالتزامات أو أنه لم يعمل بتربيطات أو أنه فضح بؤرة التواطؤات، ولكن هذا الذي تجتر كرة السلة ويلاته، هو أبعد من ذلك فعلا وزمنا، فقد سعى البعض سامحهم الله إلى أن يدخلوا كرة السلة إلى معترك التواطؤات ومستنقع التجاذبات..
حكوا ذات وقت عن تجاوزات مالية، وارتفع صوت أوراش عاليا ليقول بأنها تجاوزات وهمية هدفها إثارة الفتنة وزعزعة الجامعة، وحكوا عن اختلالات وظيفية استدعت من وزارة الشباب الرياضة وصايتها على القطاع، فأقامت الإفتحاص وقطعت الأوردة وجففت صنابير الدعم وأوقفت المنح وتركت كرة السلة تموت جوعا، إلى أن نفذ ما في صدر أوراش من صبر، فانسحب من المشهد وعادت كرة السلة مجددا لحالها السابق أن يحجر عليها.
وبقدر ما يفضح هذا الذي يحدث اليوم في مشهد كرة السلة من مهازل وفضائح، هشاشة التسيير وضعف بل وتدني الحكامة لأسفل المستويات، وابتعاد رياضتنا عن الديموقراطية التي هي أساس أي تدبير عاقل ومعقلن، بقدر ما يسيء إلى صورة البلد، فكيف تسمح وزارة الشباب والرياضة بوصفها وصية على القطاع أن تشل الحركة تماما في رياضة تستقطب الآلاف بين ممارسين وعاشقين؟ 
كيف تسمح بأن تدخل كرة السلة عامها الثاني من دون بطولة؟ 
كيف هان على الكل أن يرى بأم العين الآلاف ممن يعيشون من كرة السلة وهم في عطالة فظيعة لا يجدون ما يسدون به الرمق لشهور عديدة؟
لماذا لا تستطيع تشريعاتنا الرياضية أن تفصل بين اقتتال علني لبضعة أشخاص يسمون تعديا وتجاوزا على النخبة المسيرة لكرة السلة، وبين مئات المغاربة الذين ربطوا حياتهم بكرة السلة؟
وإن جلسنا اليوم لنحصي خسائر كرة القدم جراء توقف دام 100 يوم بسبب جائحة «كورونا»، فلماذا لا نجلس لنحصي الخسائر المالية والرياضية لكرة السلة المتوقفة للموسم الثاني تواليا بسبب جائحة الجهل والمكابرة والخيلاء والإنتصار للأنفس المريضة؟
هناك اليوم لجنة مؤقتة أو لنقل لجنة تقنوقراطية، لا تدعي أنها تفهم كرة السلة أكثر من ناسها، ولكنها تتمتع بالحياد الذي يساعد على فهم طبيعة هذا الجبل البركاني الذي وضعت فوقه خيمة كرة السلة، تستطيع أن تجد لنا رأس الخيط المفقود وتكتشف الوجع المدفون في مستنقعات السلة، ستغير اللجنة القانون لكي يتسع لكل المتاريس ولكي يتطابق مع الزمن العالمي وستقيم جمعا عاما لإعادة الديموقراطية المهربة في أكياس سياسية، وستخلي الطريق من كل لصوص المصلحة وستطلق البطولة من معاقلها وقيودها ليستعيد الآلاف من الممارسين والعاشقين وعيهم المغيب، والله أعلم إن كانت ستتمكن من التعرف على الجناة الحقيقيين الذين تسببوا لكرة السلة في هذه الجائحة التي كانت عقابا دفعه ثمنه الأبرياء..
اللجنة المؤقتة هي رخصة مؤقتة ممنوحة لكرة السلة، فإما أن ينصلح حالها وتذوب خلافاتها وتمسح من المشهد كل شوائبها، وإما أن نقرا على كرة السلة السلام.