تشرفت ومن خلالي مؤسسة «المنتخب» بأن أكون من بين من انتقاهم الإتحاد الدولي للصحافة الرياضية ليكونوا متحدثين للمئات من الإعلاميين الرياضيين في القارات الخمس، وناقلين لرسائل بليغة الدلالات وعميقة الأثر إلى من يتولون إدارة المرفق الرياضي العالمي.. وفوق أن تكون «المنتخب» هي المؤسسة الصحفية الرياضية العربية الوحيدة المتواجدة في خندق التحليل والإستقراء لراهن الإعلام الرياضي العالمي المضطرب بفعل ما رمت به جائحة كوفيد 19 من لهب وعذاب، فإن الإنتقاء خضع لمقاييس دقيقة لا مكان فيه أصلا لا للمجاملة ولا للمداهنة.. إنه ينحاز لما كنا نفخر به دائما، مرجعيتنا التي بنيناها على مدار ثلاثة عقود من الزمان، بالسواعد المؤتمنة على الرسالة الإعلامية والحالمة بإخلاص للأمانة المهنية..
وهذا بالذات ما فتح علي جحيم المعاناة وهيج بداخلي القلق الذي غالبا ما أستشعر هيجانه كلما كنت مدعوا لأضع بصمة في بحر المعرفة، فلو كان الأمر علي شخصيا لما استبد بي هذا الخوف الذي يركب كل من يأتي إلى مجمع إعلامي أو فكري ليقول كلمته وليضع حجرا في صرح التفكير الجماعي، إلا أن وجودي بصفتي رئيسا لتحرير «المنتخب» وبصفتي إعلاميا رياضيا عربيا وإفريقيا ومنابا من الصحافة الرياضية الوطنية المقدرة من الإعلام الدولي، هو تحديدا ما رفع منسوب الضغط، وهو ما أدخلني لمغارات نفسية كنت قد هجرتها منذ زمن طويل، ليس تنطعا أو تطاولا ولكن لفرط المعاشرة والملاصقة، فعملنا الإعلامي هو مطحنة تفرم يوميا الأعصاب.
كانت الحاجة ماسة، ومناسبة الإحتفال باليوم العالمي للصحافة الرياضية الذي يصادف الثاني من يوليوز تقترن بوضع استثنائي وغير مسبوق في تاريخ الرياضة العالمية، إلى ما يجلي الضباب الكثيف الذي يسود المشهد، وما يخفف من وطأة الصدمات المالية على المقاولات الصحفية، تحديدا التي تختص بالرياضة، وما يساعد الرياضة والإعلام كشريكين متلازمين على تحمل تداعيات الحجر على مناطق الإشتغال كما كان الحال مع جائحة كوفيد 19، حيث ساد الملاعب صمت القبور.
ومع اليقين المتقاسم مع كل الزملاء الإعلاميين الرياضيين الذين شاركوني منصة الحديث، وهم منحدرون من وسائل إعلامية ذات شهرة عالمية كبيرة، من أن ما بعد جائحة كورونا سيكون زمنا إعلاميا تتقاطع فيه مختلف الحقول الإعلامية وتخصب فيه الشمولية بروح التخصص، ويكون لزاما أن تتعدد داخل المقاولة الإعلامية الواحدة آليات التخاطب والإنتاج وسبل الوصول عبر كل الوسائط الممكنة إلى أنماط مختلفة من المتلقين (قراء ومستمعين ومشاهدين)، فإن الإعلام والرياضة يجب أن ينضما لبعضهما في خندق مشترك، ليكون الرهان اليومي هو كسب تحديات المستقبل، وأبرز هذه التحديات، أن الإعلام والرياضة يجب أن يعلنا بشكل جماعي عن ميثاق لمواجهة الجائحات وما عداها من عوارض، وللتأثير المباشر في المشهد الوطني بمختلف تلاوينه ومفاصله، بحيث يكون للرياضة حضور وازن في أولويات النموذج التنموي الوطني، موازاة مع المكانة المحجوزة سلفا للإعلام كرافعة أساسية للأنموذج الخلاق الذي يطلقه المغرب.
وبينما كانت مؤسسات إعلامية أخرى في دول غير المغرب تفخر بأنها ضاعفت عوائدها المالية بحكم تزايد الإقبال على النسخ الإلكترونية لصحفها في زمن الجائحة، وقد أكرهت البشرية على المكوث طويلا في الحجر الصحي، فإن «المنتخب» قالت للعالم، كم أنها وصحافة المغرب الجادة والملتزمة والمواطنة بدت فخورة بوضعها للنسخ الإلكترونية لصحفها بين أيدي القراء مجانا، مشاركة لهم في حجرهم الصحي ومساهمة في تغذيتهم فكريا، ولو أن ما تحملناه داخل «المنتخب» من أجل ذلك في فترة الحصار والحجر، كان قاسيا، لا أقصد ماليا ولكن مهنيا، فقد كان لزاما أن لا ينقطع الصبيب ولا يتوقف جريان ماء النهر الصحفي، برغم أن المنابع أغلقت تماما وأقصد بها المباريات الرياضية.
وكما كانت تجربتنا مع الإصدار الإلكتروني الذي انتهى منذ الخميس الماضي بالعودة مجددا للإصدار الورقي، طافحة بالكثير من المشاعر الجميلة التي تحجم من وطأة المعاناة المالية، فإن حضور «المنتخب» في منصة كبار صحف العالم الرياضية، يشرفنا كمغاربة أولا ويشرفنا كمؤسسة إعلامية مواطنة ثانيا ويطوقنا ثالثا بمسؤولية البقاء في منصة الكبار من دون افتعال أي ضجيج ويحرضنا رابعا لأن نكون مثل السنبلة، كلما كبرت إلا وانحنت تواضعا..