ما تغير شيء منذ أن حلت بنا وبالبشرية جمعاء جائحة كورونا، سوى أننا قررنا الخروج بالتدريج من المخابئ الصحية لنكفي الناس شر الإكتئاب الذي أصابهم من فرط العزل الإجباري الذي طال، وأيضا لنمكن عجلة الإقتصاد من الدوران من جديد، لطالما أن بيوتا بالآلاف هبطت بها الجائحة وهي تحيل المشهد إلى قفار قاحلة إلى حافة الفقر المدقع، ولطالما أن مؤسسات إقتصادية باتت مهددة بالإفلاس.
غير هذا ونحن نخرج من المخابئ، لم ترحل كورونا لا طوعا ولا كرها، فإلى الآن ما زالت الإنسانية في انتظار ما يمكن أن يخلصها من شر الوباء، بل يجبرنا الوضع الوبائي المستشري ونحن نقرر التخفيف التدريجي من القيود الصحية، أن نلتزم بأعلى درجات اليقظة في مواجهة وباء متربص ولا ينتظر منا إلا هفوة في تقدير حجم المخاطر، ليتفشى في الكثير من البؤر المهنية ثم العائلية.
وكرة القدم الوطنية كغيرها من محركات الإقتصاد الوطني ومنشطات المجتمع، خرجت هي الآخرى من حجرها الصحي، إذ استعادت الأندية بهجة العودة إلى ملاعب التدريب، وقد مضى شهر كامل من التحضيرات وفق بروتوكول صحي صارم لا يبقي هامشا للخطإ، إلا إذا مازحته الأندية، ومن هذه الممازحة ستجني على نفسها..
بالأمس أعطيت إشارة الضوء الأخضر ليبدأ التنافس على ما بقي من الموسم الكروي، بإجراء الدورة 23 للبطولة الإحترافية الثانية، واليوم الإثنين ستبدأ أندية البطولة الإحترافية الأولى في تصفية مؤجلاتها، ولا يبدو حتى الآن المشهد خاليا من الإنفلاتات التي إن رآها البعض عادية، فإنها تزيد من حجم القلق، فقد اضطرت الجامعة أول الأمر إلى تأجيل مباراة المغرب الفاسي والجمعية السلاوية ليوم الأربعاء المقبل بسبب إصابة مدرب المغرب الفاسي منير الجعواني وبعض لاعبيه بوباء كورونا، ما فرض على الفور إدخال المصابين للحجر الصحي وإبقاء كل مكونات المغرب الفاسي تحت المراقبة وانتظار ما ستكشف عنه المسحة الثانية، وها هي الجامعة تقدم على تأجيل مباراة وداد تمارة والنادي القنيطري بسبب أن لاعبين من صفوف الكاك هما أنس المرابط وزكرياء حجوب تأكدت إصابتهما بالوباء، وهو الأمر الذي يتطلب إخضاع كل مكونات الفريق لعملية الحجر المؤقت، لحين معرفة ما ستؤول إليه المسحات الجديدة من نتائج.
بالطبع ما خلت البطولة الإيطالية ولا الإنجليزية اللتان شارفتا على نهايتهما من حالات الإصابة بكوفيد 19، لذلك لا ينبغي أن نقلق مما يحصل عندنا بشكل معزول وبنسب تجري السيطرة عليها، إلا أن الأمر يفرض رفع درجة اليقظة لمستويات عالية، ويفرض أيضا على مناديب الجامعة أن يدققوا في كل الأمور، فلا تكون هناك أي استهانة بمقتضيات البروطوكول الصحي ولا أي تنازل تحت أي ظرف على أي من مقتضياته وتدابيره، لأن ما يبدو لنا اليوم وضعا مقدورا عليه ومتحكما فيه، سيكون بكل تأكيد غدا أمرا خارجا عن السيطرة فيهدد عودة النشاط الكروي بالإيقاف مجددا، وتكون الفرصة قد ضاعت على العائلة الكروية الوطنية بتحقيق ما اعتبرناه عدالة، بإنهاء الموسم الكروي في ظروف طبيعية.
إن ما نراه اليوم مع خروجنا من الحجر الصحي ومع الرفع التدريجي للقيود الصحية، من اكتشاف لبؤر وبائية جديدة بخاصة في الأوساط المهنية نتيجة التفريط في الكثير من المحرمات السلوكية، يجعلنا نوقن من أن البطولة الإحترافية الأولى والثانية التي هي 32 ناديا، والتي تمثل عائلة من مئات الأفراد، إن لم تتشدد في مراقبة سلوك أعضائها، وإن لم ترفع لمستويات عالية جدا درجات اليقظة، وإن هي مازحت الفيروس بأي تقصير أو تهاون، فإن العاقبة لن تكون محمودة والعياذ بالله.