الذي شاهدته من الوداد البيضاوي، منذ عودته من الحجر الصحي، مسخ للهوية، لعب في المحظور، وخواء تكتيكي مخيف، ويمكن لنا جميعا وبخاصة للوداديين أن نحمد الله على أن الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم، أخذت بمنطقية التعليلات التي ضمنتها الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، طلبها الموجه للجنة مسابقات الأندية التابعة لها، فقررت بموافقة ستة من أطراف المربع الذهبي لعصبة الأبطال وكأس الكاف من أصل ثمانية، تأجيل الدور نصف النهائي للمسابقتين القاريتين معا إلى غاية شهر أكتوبر، لأن الإبقاء على التاريخ الأول لمواجهة الوداد للأهلي المصري (24 شتنبر الحالي) كان سيمثل خطرا محدقا بالفرسان الحمر، بسبب هذا الذي وقفنا عليه مجزوعين ومستغربين من شتات تكتيكي.
تذكرون أننا في «المنتخب» تحدثنا بشكل استباقي والوداد البيضاوي ينال نقطة لا غير من مؤجليه أمام المولودية الوجدية والنهضة البركانية بعد العودة من الحجر الصحي، عن أن الفريق أدخل نفسه وجماهيره في بؤرة الشك التي تعتم الأفق وتعطل القدرات الإبداعية، وقلنا أن السيل العرم، إن استمر فإنه سيجرف لا محالة المدرب كارلوس غاريدو، والحقيقة أن المدرب الإسباني أخرج رأسه من قمقم الألم قليلا والفريق يفوز على أولمبيك خريبكة في مباراة بلهاء تكتيكيا، ثم عاد ليدفنه خلال الكلاسيكو أمام الجيش في مستنقع الرداءة، وهنا سيبلغ السيل الزبا وسيكره الناصيري على الإتيان بما يقول أنه أبغض الحلال، الإنفصال عن غاريدو.
هل يئس الناصيري من قدرة غاريدو على أن ينزل فلسفته الفنية؟
هل استسلم لصرخات الألم المنبعثة من البيت الأحمر، فلجأ مداواة لجرح ينزف، إلى التضحية بالمدرب؟
أم كان الوضع التقني والذهني وحتى النفسي بكل توتراته وسوئه يحتم الإستسلام لجراحة عاجلة لاستئصال مصدر الألم؟
طبعا كل هذه الأشياء مجتمعة، فالإبقاء على غاريدو كان يمثل للوداد مخاطرة كبيرة، لأن بقاءه سيجعل الوداد يدور في دائرة مفرغة، في كل مرة تصل إلى نفس نقطة الندم، فالرجل برغم احترامي لسوابقه ولسيرته الذاتية ولفلسفته ومنظور عمله، لا يطابق في أي شيء الوداد بهويته وعمقه وتركته الفنية التي هي أكبر سنا حتى من الرئيس سعيد الناصيري، وقد احتجت كما احتاج غيري لست مباريات للوصول إلى قناعة كاملة بأن الرجل لا يتطابق أبدا مع الوداد، وتلك خطيئة لا يتحمل لوحده وزرها، بل يتحملها من جاء به ليشرف على العارضة التقنية لفريق، ما استغنى على زوران ومن بعده على دوسابر إلا لأنه شعر بأن فريقه وإن كان يفوز من حين لآخر، إلا أنه كان لغاية الأسف مجردا من هويته ومكرها على أن يلعب ضدا على طبيعته، وكم من الفرق تكسرت أضلعها عندما واجهت الإعصار بصدر عار، وعندما أدمنت اللعب ضد التيار.
في الكلاسيكو أمام الجيش، شاهدت وشاهدتم مثلي حماقات تكتيكية لم أر قبيلا ولا مثيلا لها منذ سنوات، لاعبو الوداد يكرهون لشوط كامل على اللعب ضدا على طبيعتهم دفاعا عن هدف إسماعيل الحداد، مبدعون مثل أووك والحداد يتحولون إلى بائعي الخردة وإلى نجارين وحدادين وإطفائيين، ومدافعون يشتتون الكرات كالبلهاء، ورجال وسط يحفرون المقالع ويسقطون فيها، شيء يثير الإستغراب، ولكنه في النهاية مشهد قبيح لا يمكن السكوت عليه، لأن الوداد إن استمر على هذا الحال، سيحطم جماهيره وسيدخل مستشفى الأمراض التكتيكية.
كان إذا من الضروري حيال هذا الوباء التكتيكي الذي يخنق الأنفاس ويعطل الملكات، أن يبحث الناصيري بشكل مستعجل عن لقاح يضرب الوباء فيبيده، وكان هذا اللقاح بالطبع هو التضحية بالمدرب غاريدو والإستنجاد بغاموندي الجالس في صالونه الإستشاري، لإنقاذ الموقف ولو أن اللوائح تحظر على المدرب السابق لحسنية أكادير الجلوس في دكة البدلاء خلال مباريات الوداد، ولكن هذا أخف من ذاك، فمن أين للوداد بالقدرة للبحث عن مدرب بديل لغاريدو يسد الفراغ القاتل في توقيت حساس وخطير؟
ولو أنني أرفض الجواب على سؤال، إن كان غاموندي فعلا هو الرجل المناسب للزمن الإستثنائي؟ إلا أن ما عرفته عن غاموندي من خلال إشرافه على حسنية أكادير، وما اكتشفته من محددات في فلسفته الكروية، وهو المدرب الذي يؤمن كثيرا بكرة القدم المتحولة «فوتبول دو ترانزيسيون» وكرة القدم التي تجمع بين المتعة والفعالية، يجعلني أطمئن إلى قدرته على إطفاء حرائق الشك وإعادة الوداد لجادة الصواب التكتيكي، وإخراج اللاعبين من المشانق أو الرحى التي أدخلوا إليها، ولو أن غاريدو المقال لم يكن المتهم الوحيد في الجنح التي يرتكبها الوداد البيضاوي هذا الموسم، فهناك لاعبون انتهت صلاحيتهم، وهناك لاعبون انتدبوا بسبب المزايدة والعناد وهم اليوم عبئ ثقيل على الفريق، وهناك فوق هذا وذاك رئيس يعترف أنه من فرط رغبته في صناعة الأشياء الجميلة، من الممكن أن يكتب ذات يوما نصا سيئا يكون فيها خارج السياق..