يحدث أن يتصل بي بين الحين والآخر، منارة الأطلس ونجم الفريق الوطني والكوكب المراكشي سابقا، الطاهر لخلج لما حفظه كلانا من ود بعد سنوات المعاشرة التي قادتني مع جيله إلى العديد من المحطات وعديد الدول التي كان يحل بها الفريق الوطني لينجز استحقاقاته الدولية، لكنني هذه المرة لمست في نبرته حالة من الحزن الشديد، فقد كان الرجل يبحث بالكاد عن كلماته، لأن ما يعتمل بداخله من مشاعر وأحاسيس هي ساخنة وملتهبة كألسنة النار أو حمم البركان، يصعب أحيانا أن نقيس لها معاطف من الكلمات.
كان علي أن أفهم بأن الطاهر لخلج ما كلمني يوم الجمعة تحديدا، إلا لأنه اليوم الذي كان مقررا، أن يعقد فيه الكوكب المراكشي قفة من الجموع لتصفية تركات كانت متروكة في وعاء الخصومات التي ما عاد لها شكل واحد ببيت الكوكب، وكان علي أن أستوعب بأن الطاهر لخلج مجروح في عشقه الأول بل والأبدي، فما يحدث للكوكب من استنزاف، ومن تلطيخ للسمعة، ومن هدم لصروح التاريخ، ومن سرقة موصوفة لسعادة البسطاء بكوكبهم يدمي القلب، فمن ولوا أمر هذا الفريق المرجعي يقفون بسيوف مجردة من أغمادها لتقطيع بعضهم البعض، يتطاولون على تاريخ، وعلى سمعة، وليتهم اكتفوا بذلك، للأسف هم يحفرون للكوكب قبرا..
إستمعت بإمعان للطاهر لخلج وهو ينزف، فالرجل الذي عرفته دائما شامخا بطوله الفارع، ممتلئا ببهجة مراكش، متواضعا كالسنابل الملأى بالخير، شعرت به حتى وهو غائب عني بملامح الوجه وشكل الجسد، منطويا، حزينا ومخترقا بوجع رهيب، وقد أجمل ذلك بالقول:
«إنه يرمون بالكوكب إلى غيابات الهواة، وإن حصل ذلك ستكون أكبر جريمة ترتكب في حق الكوكب وفي حق مراكش».
كل شيء قاله لخلج هو صادق فيه، وهو للأسف الحقيقة المرة والموجعة، فالكوكب مهدد بقوة لأن يكون من بين فريقين سيغادران القسم الثاني هذا الموسم، وما رمي الفريق بسهام تمزق جسده، إلا من أهله، فالمراكشيون هم من يجنون اليوم على الكوكب ولا يجني عليه أحد غيرهم، الفريق الذي انزلق الموسم الماضي من القسم الأول إلى القسم الثاني، من غير المستبعد أن يزيد في الإنحدار السافر ليبلغ الهواة، وبعدها قد يصبح مجرد ذكرى، كما أصبحت غيره من الأندية التي كان لها شأن وأي شأن في سنوات خلت مجرد رجع لصدى بعيد في الزمن.
الكوكب الذي ولد يانعا ينوع النخيل، وشامخا شموخ جبال الأطلس، فكان في السنوات الأولى للإستقلال فريقا متخصصا في الفوز بكأس العرش، ولما جاءه إبنه الحاج محمد المديوري، كبر كالعظماء، حتى لامس نجوم السماء، وهو يتوج بلقب البطولة وبلقب كأس الكونفدرالية وأصبح لكرة القدم المغربية المرجع والنموذج، هذا الكوكب ما أفل وما انطفأ ضوؤه، إلا لأن عفاريت استوطنوا البيت بعد أن غادره الصلحاء، فعاتوا فيه فسادا، تهجير للفريق، تبخيس للقدرات، ضحك على الذقون ومسلسل لا ينتهي من الحماقات التي ترتكب بلا حسيب ولا رقيب، واقتتال بشع على مرأى ومسمع من الجميع، والدال على ذلك ما حدث في جموع «الخردة» التي انعقدت يوم الجمعة وأفضت إلى ما تنبأ به الطاهر لخلج، سقوط للكوكب وموت سريري للبهجة، وليمت العاشقون غيظا ونكدا..
طبعا أشفق على جماهير الكوكب، على من ربطوا بين حياتهم وبين فريق البهجة، وأشفق على الطاهر لخلج وجيله المبهر الذي يعيش لوعة الحاضر المريض، ولكنني أشفق أكثر على كرة القدم الوطنية وهي تستعد لتوديع قاطرة من أروع القاطرات التي جرت لردح من الزمان القطار، وإذا ما نحن اكتفينا بالقول شامتين أو غير مبالين ولا مكترثين، بأن الكوكب يحصد ما زرعه بنفسه من فتن ومن حروب ومن نبتات سيئة، فإننا سنظلم الكوكب وسنظلم كرة القدم المغربية.
على الذين ربطوا أعناق الأندية بحبل المنخرطين فأصابوها بسخط كبير، أن يتحركوا لنزع هذا الحبل القاتل، يكفي ما شاهدناه في الفضاء من اختطاف لأندية تحولت إلى ملكيات خاصة، وقد جف فيها الضرع، فلم تعد تعطي سوى الدم والألم..