لم تمض إلا لحظات على اكتمال جلسة العذاب، وقد أنهك الضلوع ما ضربها من إعصار، وأدمى القلب ما تزاحم عليه من صور التقريع، وحزن الخاطر لما كان من ضرب مبرح للكبرياء والوداد يعيد السقوط أمام الأهلي المصري، ويترجل جواده مغادرا عصبة الأبطال من دورها نصف النهائي، لم نكن بعد قد أخذنا نفسا عميقا لنتحلل من صدمة ما شاهدناه من الوداد بالملعب الدولي بالقاهرة، حتى كشف سعيد الناصيري عما يمكن أن أسميه برسالة الغفران، رسالة كانت معدة سلفا من رئيس الوداد، فيها اعتراف واعتذار وشبه قرار، الإعتراف بأن هذا الذي شاهدناه من الوداد البيضاوي في مواجهته للأهلي ذهابا وإيابا، كان سبة في حق تاريخ الوداد، والإعتذار على ما أتى به الفريق من موبقات تكتيكية ومن اهتراءات فنية في مواجهة مفصلية، وشبه قرار بأن الناصيري مستعد للرحيل حالا، إن رأت عائلة الوداد أن لا مناص من ذلك.
والحقيقة أن سعيد الناصيري هو جزء من الأزمة كما أنه يمكن أن يكون جزء من الحل، ولكن أن نختصر أزمة الوداد في هذيان أو ديكتاتورية الناصيري أو حتى في خروجه عن النص، فإن ذلك سيعمق الأزمة ويأخذ الوداديين إلى طريق ليست بأي حال من الأحوال هي طريق الحل.
قد لا أكون متحمسا لوصف الأزمة، لأن ما يحدث للوداد هو إعلان صريح عن نهاية حقبة، بالقطع لا يجب أن نسفهها ولا أن نلعنها، لأنها بمعزل عن الصورة الركيكة والمستفزة التي جسدها الوداد في مواجهته للأهلي المصري، كانت واحدة من أغنى الحقب الرياضية في تاريخ الوداد، هي حقبة توج خلالها الوداد ثلاث مرات بلقب البطولة الإحترافية، وتوج خلالها مرة بلقب عصبة الأبطال وبلغ خلالها نهائي العصبة في مناسبتين، وعندما كان لا يفوز بلقب البطولة كان يحل وصيفا للبطل، كما كان الحال في بطولة الموسم الحالي، قد يكون الناصيري أخطأ في إيصال الحقبة لنهايتها من دون أن يدمي القلب ولا أن يصيب بالحزن، قد يكون أخطأ في إلتقاط الإشارات الكثيرة التي حصل عليها نتيجة لتدبير سيء لكثير من الهوامش ومن الملفات الثقيلة، فعندما كان الوداد بحاجة لأن يربح الوقت بالإستقرار التقني، جاوز الناصيري المدى وكسر منطق الأمان، بتغييره العارضة التقنية للوداد في أربع مناسبات هذا الموسم من دون احتساب المباراتين اللتين أدارهما الإطار الشاب وإبن الفريق عبد الإله صابر، وعندما كان الوداد بحاجة لأن يكون دقيقا في انتداباته الشتوية للتغطية على الهذيان الكبير الذي رافق الميركاطو الذي قبله، حشر الناصيري في زمرة الفريق 11 لاعبا جيء بهم من كل حدب وصوب، وتبث في النهاية أن 70 بالمائة منهم، فاقدو الأهلية لحمل قميص الوداد.
هذه بعض من الجنح التي ارتكبها سعيد الناصيري، ولا يمكنه بأي حال من الأحوال أن يتحلل منها، وهي دالة على أن رئيس الوداد لفرط الثقة في النفس، يتحمل كامل المسؤولية، في أن الحقبة الجميلة للوداد انتهت بهذه الصورة المرتبكة والخادشة للكبرياء، ولكن هل وصل الأمر لحد وصف هذا الذي يحدث بالأزمة؟
شخصيا لا أريد أن يوصف الزمن الحالي للوداد بأنه زمن أزمة، فالفريق أنهى كما قلت حقبة مضيئة، وعليه أن يراكم عليها ويجعلها ممهدة لحقبة تأتي بعدها، لماذا لا تكون أجمل وأغنى؟ لذلك هناك حاجة لأن تحضر الحكمة في تدبير هذه المرحلة الإنتقالية الدقيقة، التي ستشهد نهاية جيل أعطى للوداد في السبع سنوات الأخيرة وطنيا وقاريا ما يهنأ عليه، وقد تشهد نهاية فريق عمل أيضا، إن لم يتوسم هذا الفريق في نفسه القدرة على إبداع الحلول والبدائل، وإن لم يقدر على صناعة مرحلة جديدة تضمن للوداد نفس التوهج واللمعان. 
والحكمة في تدبير هذه المرحلة الإنتقالية، تقتضي الإبتعاد عن المزايدة في التوصيفات القدحية والإبتعاد عن التشنيع باللاعبين، لأنهم إن سئلوا عن ظهورهم الباهت أمام الأهلي المصري، فإنهم لا يسألون عن كل الذي مهد لهذا الظهور المحتشم، لأن قوى قاهرة هي ما أورثته، وحتى إن سئلوا عن الأمرين معا، فلا أحد يمكن أن ينكر على هؤلاء اللاعبين كل الذي أنجزوه وحققوه للوداد في السبع سنوات الأخيرة.
الحكمة في تدبير المرحلة، هي أن يبدع أهل الوداد حلولا ترتفع بهم فوق الأدخنة التي تعم المكان، وهي صناعة البدائل برؤوس باردة لا مكان فيها للتشنجات وقراءة رسالة الغفران بإمعان بحثا عن منطقة الأمان..