بعد أن يزول عنا الذهول، وينسحب الإستغراب ويخفت فينا العجب بعد الذي تناهى إلى الأسماع نهاية الأسبوع الماضي، تحديدا يوم الأحد، من أن جواد الزيات عزم على تقديم الإستقالة، وقد توكل في صناعة القرار الصعب والقاسي، وهو بالكاد ينهي نصف الولاية، على خالقه واستند على ما تراكم في فكره من موجبات وضرورات الرحيل، يكون لزاما أن نطرح الأسئلة برؤوس باردة لا مكان فيها لأي أحكام مسبقة. هل كانت الإستقالة مجرد بالون اختبار أطلقه جواد الزيات في فضاء الرجاء ليقيس ردات الفعل؟ هل كانت الإستقالة تلجيما لكل المتنطعين الذين نسوا أو تناسوا في لحظة إخفاق له ما يبرره في عصبة الأبطال الإفريقية، ما حققه الرجاء مع الزيات من ألقاب عينية ومن نتائج إقتصادية مبهرة، فانطلقوا يسلخون جلد الرجل وينصبون له مقصلة في الشارع العام؟ هل كانت الإستقالة هروبا للأمام في زمن رجاوي بالغ الحساسية والتعقيد؟ وإذا ما سلمنا بأن الإستقالة مذيلة بتوقيع مصادق عليه ومختوم بعبارة «لا رجعة فيها وغير قابلة للنقض»، فما الذي سيتفاعل داخل المشهد الرجاوي؟ من سيأتي بديلا للزيات؟ ومن أي بقيعة سيخرج؟ وكيف يجب أن تكون سليقته وتكوينه؟ ليس الرجاء بالفريق العادي حتى نهمل كل هذه الأسئلة، وليست الظرفية بالظرفية الطبيعية حتى لا ننشغل بهذا الذي أحدثته استقالة جواد الزيات من رجة عنيفة، ما زلت عند رأيي بأن الرجاء كان في غنى عنها، ويحق لنا أن ننشغل بالطريقة التي سيتخلص بها الرجاء من هذا الوثاق الحارق وكيف سيخرج من هذا المأزق. بالتأكيد ما يحدث اليوم، بصرف النظر عن اللغط وعن إطالة اللسان لسرد التفاهات وعن القراءات الظاهرة والمضمرة، أن الحكماء يتداولون، فإن هم عجزوا عن إعادة جواد الزيات عن استقالته ليتمم على الأقل النصف المتبقي من ولايته، حتى لو كان الأمل في ذلك واحدا بالمائة، فإنهم سيتوجهون بكامل مرجعياتهم وخبراتهم إلى تأمين الإنتقال السلس لسلطة الرئاسة، وإلى اختيار من يكون أهلا لتحمل مسؤولية ثقيلة تستوجب يقظة وبراعة وحضور بديهة وقدرة على عبور ما يبرز في العادة من مطبات. وإن نحن طرحنا السؤال حول «البروفايل» الأمثل للربان الجديد للنسور الخضر، تفرع بنا الجواب إلى طريقين وإن اختلفت طبيعتهما فإنهما يلتقيان في أنهما يجب أن يؤديا إلى نفس الهدف، تخليص الرجاء مما بقي عالقا في موازنتها المالية من مديونية ومواصلة اعتلاء الصدارة وطنيا وقاريا والتقدم حثيثا في تنزيل أوراش التسويق والهيكلة والتكوين. ولعل المبدأ الذي لا خلاف عليه هو أن من سيأتي لرئاسة الرجاء، لا يجب أن يعتبر خدمة الرجاء وقتا ثالثا أو مستقطعا من يومياته، فالرجاء المؤسسة تحتاج إلى جهد ذهني وإلى مساحة زمنية مقدرة للإشتغال على أوراشها. والحقيقة أن الرجاء بشعبه الكبير، يضع على برلمانه أمانة ثقيلة، أمانة اختيار من يكون جديرا بقيادة النسور، فإما أن يذهب برلمان الرجاء إلى اختيار رئيس جديد من الذين سيتطوعون لتحمل المسؤولية من أعضاء المكتب المديري الذي عمل لسنتين إلى جانب جواد الزيات، ويكون بذلك قد أمن التغيير في ظل الإستمرارية، لطالما أن من سيأتي من داخل المكتب المديري الحالي سيكون مطلعا على كل الملفات، ولن يعدم وسيلة لإتمام ما بدأه الزيات من عمل، وإما أن يذهب برلمان الرجاء إلى اختيار رئيس من خارج المكتب المديري الحالي، ويحرص في ذلك على أن يكون هذا الذي سيختاره مستوفيا لكل شروط المرحلة، والتي منها أن يقدم كل الضمانات الفكرية والإقتصادية على أنه سيراكم على ما قام به الزيات، بل وسيستثمر جيدا في رأسمال الثقة وفي رصيد النجاحات التي تحققت رياضيا واقتصاديا. ولأنه الرجاء الفريق المرجعي، الذي لا تغفل بل ولا تنام عنه العيون، ولا ييأس من الوصول لدفة تسييره حتى الذين حشروا في القوائم السوداء، فإن المفترض أن تكون الأيام الثلاثة عشر التي تفصلنا عن انعقاد الجمع العام الإنتخابي، عبارة عن مبارزة يومية بين أجنحة وبين أجندات وبين أطياف كانت إلى وقت قريب أطيافا متناحرة على منصات التواصل الإجتماعي، بل ما زلنا نشتم لها رائحة في ما ينشر من غسيل قذر على الأسلاك، لذلك أتوقع أن تنتشر في الفضاء الأخضر العديد من الأدخنة الحاجبة للرؤية، ومعه أتمنى أن يكون شعب الرجاء بكامل اليقظة لكي لا ينجر إلى سجالات تلهيه عن حاضر ومستقبل فريقه، فمن خيمة الجمع العام ليوم الثالث من دجنبر، سيخرج الفارس الجديد، فإما أن يكون قائدا سويا يحمل الرجاء إلى مواطن تألق جديدة ويخلصه من مترسبات أزمته المالية، وإما يكون قائدا معاقا يقود الرجاء إلى متاهات جديدة تكثر فيها العذابات والآهات والأزمات، وبين الأمرين سيخير شعب الرجاء فلا أسف ولا ندم..