لست أنا من سيأتي اليوم ليحاكم المسار المهني لشيخ المدربين التونسيين فوزي البنزرتي، كعلامة فارقة في تاريخ الأطر التقنية التونسية والعربية التي أثرت إيجابا في كل البيئات الكروية التي اشتغلت بها. ولست أنا من سيقول، هل قرار إعادة فوزي البنزرتي لتدريب الوداد في هذه المرحلة المفصلية والبالغة الحساسية، حيث يستعد الفرسان الحمر لدخول مرحلة جديدة، قوامها تشكل بشري محين، هو قرار جيد ومفكر فيه؟ أم هو نوع من القرارات التي يهرب بها سعيد الناصيري للأمام؟ لا خلاف على أن فوزي البنزرتي في المرات الثلاث التي حضر فيها مدربا للغريمين الرجاء والوداد البيضاويين، كان يترك إرثا تقنيا غنيا، ليس فقط بالمنجز الرياضي، ولكن أيضا بالمناخ النفسي الذي يشيعه في المحيط الكروي الذي يشتغل فيه وبالصرامة التي تفرض الإنضباط كسلوك لا محيد عنه، إلا ان ما يزعجني في الإستنجاد لثالث مرة بفوزي البنزرتي لتدريب الوداد البيضاوي، هو ما حصل في المرتين السابقتين وكان أمرا موجبا وقتها لسخط ودادي عارم، فكلنا يذكر أن فوزي البنزرتي بمجرد نهاية الموسم الكروي 2017ــ2018 وبعد أن أهدى الوداد السوبر الإفريقي أمام مازيمبي الكونغولي، حزم الحقائب وطار على تونس، وقد تلقى إشارة من الجامعة التونسية لكرة القدم لقيادة نسور قرطاج، وقد كان صادما للرجل أنه قاد نسور قرطاج للمرة الثانية في مشواره التدريبي لثلاثة أشهر فقط ما بين يوليوز وأكتوبر 2018. وبرغم أن هذا الرحيل المفاجئ الذي أربك سعيد الناصيري، ووضعه في وضعية غير مرغوب فيها ليبدأ من حيت لا يحتسب، بالبحث عن مدرب بديل، فإن كثيرنا تجاوز عنه، بالنظر إلى أن الرجل طلب لتدريب منتخبه الوطني، مع ما يمثله الأمر بالنسبة لنا كعرب، من حمولات عاطفية لا يمكن التحلل منها بسهولة، إلا أن «الهربة» الثانية لفوزي البنزرتي كانت موجعة، واستدعت وقتها الكثير من الأسئلة الإستنكارية، بل إن هناك من قال أن بركة الشيخ البنزرتي طارت بالكامل. جاء موسم الوداد (2018ــ2019) غريبا في بداياته، فستحكم الخسارة في أول مباراة أمام أولمبيك آسفي برحيل عبد الهادي السكتيوي عن المهمتين، مهمة المدير الرياضي ومهمة المدرب الإطفائي، وبعد ثلاث مباريات قاد خلالها الوداد السنغالي موسى نداو، سيعلن الناصيري عن تعاقده مع المدرب الفرنسي روني جيرار، إلا أن النتائج والأداء لم يتطورا للأفضل، ما سيجعل الناصيري يحرك هاتفه السري ليتصل بمن سيصبح عنده المنقذ من الهلوسات التكتيكية لمدربين يؤتى بهم في سياقات فنية معقدة جدا، فوزي البنزرتي الذي لم يتردد في تلبية النداء وسيحضر شهر دجنبر من عام 2018 ليقود الوداد في ثاني تجربة له، وكانت هذه المرة مميزة محليا وإفريقيا. مع الشيخ البنزرتي سيتوج الوداد البيضاوي بلقب البطولة الإحترافية، متفوقا في الأمتار الأخيرة على الغريم الرجاء، ليس هذا فقط، بل إن البنزرتي سيؤهل الوداد لنهائي عصبة الأبطال أمام الترجي الرياضي التونسي، النهائي الذي سيصبح فيما بعد مقترنا بالكثير من التوصيفات القدحية، فهو النهائي العار، وهو النهائي الفضيحة، وهو النهائي الذي سيشهد أوسخ وأبشع سرقة في تاريخ الكرة الإفريقية. وبرغم أن الوداد ظل يطارد مثل خيط دخان أو سراب حلم إعادة النهائي إياه، إلا أن الناصيري بدا سعيدا بالنقلة النوعية التي أحدثها البنزرتي داخل الوداد، وأبدا لم يدر بخلده أن يستغني عنه أو حتى أن يسمع برحيله، إلا أن ما سيحدث، هو أن فوزي البنزرتي سيقرر العودة مجددا لتونس مستجيبا لرغبة ملحة من النجم الساحلي التونسي للإشراف على عارضته التقنية، وبين الرحيل الأول والرحيل الثاني فوارق لا تجيز أي قياس، فقد قال الكثيرون في المرة الثانية أن البنزرتي غدر بالوداد، برغم أن الناصيري المسحور ببركة الشيخ سيبتلع لسانه ولم ينبس في هذا الموضوع ببنت شفة، بل إنه سيدخل نفسه خلال موسم 2019-2020 في دوامة حقيقية وهو يجيز تعاقب 5 مدربين على فريقه بمن فيهم الإطار الشاب وإبن الفريق عبد الإله صابر الذي قاد الوداد في مباراتين. ويبدو أن ما علمه الناصيري عن البنزرتي من قدرة على تحريك المياه الجامدة وتنظيف البيئة مما علق بها من تجاوزات وتلقيح منظومة اللعب ضد كل العوارض والأوبئة التكتيكية التي تصيبها، هو ما جعله يلجأ في السر للرجل الذي ما انقطعت معه الوشائج، ليكون برأيه هو رجل المرحلة الدقيقة التي تشكل انعطافة قوية في التاريخ الحديث للوداد، فعودة البنزرتي التي رآها البعض مستحيلة للسوابق السيئة، تقترن مع حقبة جديدة يريد أن يؤسس لها الوداد وقد انتهت صلاحية الغالبية العظمى من الجيل الذي أهدى للوداد 3 القلب للبطولة الإحترافية ولقب لعصبة الأبطال الإفريقي ولقب للسوبر الإفريقي، دون أن نغفل وصافة النسخة قبل الأخيرة من عصبة الأبطال. بالطبع لا يمكن للناصيري ولا للوداديين أن تغفل لهم عين عن الشيخ البنزرتي، فالمؤمن لا يلدغ من نفس الجحر 3 مرات، وبالقدر الذي نتمنى فيه أن يكون الناصيري قد أحسن الإختيار لرجل المرحلة الدقيقة والحرجة، بالقدر الذي نتمنى أن نرى من فوزي البنزرتي ما يشفع له هذه الثقة المتجددة في شخصه وما يبرر هذه العودة الثالثة لعرين الوداد وما يترجم على أرض الواقع ما اكتسبه الرجل من خبرات كبيرة، بخاصة أن ما بعد هذه المرحلة فيما لو تكررت نفس الأسطوانة فسيكون الطلاق بأننا لا رجوع بعده..