توقعت لدرجة اليقين أن إدارة الفتح الرباطي، لن تترك تهور رضا هجهوج يمر دون أن تبدي حياله ما تفرضه تقاليد الفريق من ردة فعل تشجب علنا التصرف الأرعن، بل وتضع هجهوج تحت طائلة العقاب الذي لا يبقي شكا في أن الفريق متيقظ ولا يبدي أي استعداد للتنازل عن قيمه.
ولم تكن هناك حاجة لتنتظر إدارة الفتح، ما سيتداعى من فعل إستنكاري وتنديدي على واقعة مباراة الفتح والرجاء، والتي أعقبت تسجيل هجهوج لهدف الفتح الثاني، لكي تبدي موقفها حيال الحركة وأيضا لتعاقب هجهوج على فعلته، فالفتح كما قال رئيسه حمزة الحجوي قبل أن يكون مؤسسة رياضية فهو مدرسة للتربية والأخلاق، وللأمانة فطوال مساري الإعلامي، لم أشهد من هذا الفريق ذي المرجعية التاريخية ما يتعارض مع مواثيقه ومع تاريخه وعلى الخصوص مع عمقه التاريخي، فقد ظل الفتح بمنأى عن كل التجاذبات والتلاسنات والطبخ السري والعلني للمؤامرات، بالطبع كانت هناك دائما حاجة لكي يدافع عن مصالحه وأحيانا بصوت مرتفع، ولكنه أبدا لم ينخرط في حبك المؤامرات، بل وظل بمسيريه وبلاعبيه وبجماهيره بمنأى عن كثير من المستنقعات.
وعندما تسارع إدارة الفتح الرباطي لمعاقبة الفعل المتهور الذي صدر عن هجهوج، لما هو دفين في صدور بعض اللاعبين من حساسيات مفرطة اتجاه من نسميه بالغريم، فإنها ترفع بذلك شارة الممنوع والمحظور أمام كل لاعبيها، بل إنها تقدم المثال لكل الأندية المغربية، على أن ساحة التباري مهما تصاعدت أدخنتها واستعرت نيرانها، إلا انها لا يجب أبدا أن تسمح بالنكاية والتحريض على ما يدخل في العنف اللفظي، وقد راقني جدا، أن رضا هجهوج الذي جاء للفتح بحثا عن فضاء كروي يتنفس فيه الإبداع ملء الرئتين، أدرك فظاعة وشناعة الفعل وما سيجره من فتن لا حاجة لنا بها، فسارع على الفور إلى تقديم الإعتذار لكل مكونات فريقه وللرجاء الذي قصدته الحركة المتهورة، وهو ما يمكن الإطلاع عليه في حواره الحصري مع «المنتخب»، حوار يدخل في سياق جبر الضرر المعنوي واحتواء الأزمة وتليين المواقف، حوار لا تنشد منه «المنتخب» المتاجرة في الأزمة ولكن المساهمة في حلحلة الأزمة.
ويجرني هذا الذي بدر عن رضا هجهوج واعترف بأنه صدر عنه بلا قصد أو سبق ترصد، على الحديث عن محيطات اللاعبين المغاربة، ممن تتركب؟ وما تأثيرها على اللاعب؟ وما هي النواهي التي تصدر عنها لتجعله مستجيبا لشروط الإحتراف، بالإنضباط سلوكا وعملا؟
ومن دون حاجة لعقد مقارنات بين حالات متباعدة في المبنى الرياضي ومستحيلة حتى على القياس، فإن وضع رعونة حركة هجهوج بعد توقيعه لهدف في مرمى الرجاء، في مقابل نبل وعظمة الحركة التي جاء بها الرائع أشرف حكيمي وهو يوقع هدفه في مرمى بولونيا في البطولة الإيطالية، عندما أهدى الهدف لروح فقيد كرة القدم الوطنية محمد أبرهون، سينتهي بنا إلى أهمية محيط اللاعب في تحديد نسب نجاحه في مساره الرياضي، فإن توقف تأثير النادي على سلوكيات اللاعب في رقعة الميدان عند إجرائه للمباريات أو لحصص التداريب، فإن التأثير على حياته الشخصية يمتد إلى محيطه الصغير الذي يجب أن يكون له واقيا ضد كل أشكال الإنحراف السلوكي التي ينهى عنها النظام الإحترافي، والحال أن تاريخ كرة القدم الوطنية يعج بأسماء للاعبين كانت أسهمهم وقيمهم سترتفع بشكل صاروخي لما أنعم الله عليهم من ملكات فنية ينذر لها وجود عند غيرهم، لولا أنهم لم يجدوا في محيطاتهم الصغيرة ما ينهاهم عن موبقات وتعديات الشهرة وارتكابهم لمحرمات الإحتراف، فهووا في مستنقع الخطيئة ودمروا ملكاتهم تلك..
ولا بأس أن أكرر على مسامع اللاعبين الذين اختاروا كرة القدم كمهنة وكسلم إجتماعي للإرتفاع إلى مراتب عالية، ما قاله أمير الشعراء أحمد شوقي:
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
والصحيح أن كرة القدم بلا أخلاق لا يمكن أن تقود إلا إلى الهاوية، فلنعذر لهجهوج ما صدر عنه، وكلنا أمل أن لا يتكرر الفعل مرة أخرى.