بالقطع لن أضفي هالة مبالغ فيها على الإنجاز الذي تحقق لأشبال الأطلس، بتأهلهم لنهائيات كأس أفريقيا للأمم لأقل من 20 سنة، التي ستقام شهر فبراير القادم بالشقيقة موريتانيا، برغم أننا أمام تأهل لم تحققه الأجيال المتعاقبة على هذه الفئة السنية منذ 15 سنة، فما حققه أبناء المدرب الشاب زكرياء عبوب لا يعدو أن يكون تصحيحا لوضع اختل لسنوات كثيرة، بفعل جرائم رياضية، كانت ترتكب من قبل الأندية في حق فئاتها الصغرى، وفي حق التكوين الذي هو رافعة أساسية لأي منظومة رياضية.
قد يكون من حظ أشبالنا أنهم لم يلتقوا في مسارهم الإقصائي منتخبات منحدرة من دول جنوب الصحراء، وواجهوا منتخبات تتشابه معنا في الخصوصيات الفيسيولوجية وفي الخامات التقنية وأيضا في العلل الهيكلية التي تلازم التكوين القاعدي، لذلك ستكون نهائيات «كان الشباب» بموريتانيا، امتحانا حقيقيا لأشبال الأطلس، لقياس جدارتهم في تمثيل القارة الإفريقية في المونديال، هذا إذا ما أبقت الكونفدرالية الإفريقية على ذات المنتخبات المشاركة في نهائيات موريتانيا، للحضور في المونديال المنقول من موعده الأصلي.
طبعا الإختبار سيكون مختلفا والمقاسات ستكون أيضا مختلفة، وكيفما سيكون حال أشبالنا في هذا الموعد الإفريقي، فلا شيء يمكن أن يصرفنا عن ثلاث حقائق دامغة، أولها أن ورش التكوين الذي فتحناه بالكاد بجدولة مضبوطة وبقيود غاية في الصرامة، لابد وأن يشتغل بشكل مستمر لال انقطاع فيه، ليس القصد أن تجتهد الجامعة في فتح مراكزها الجهوية وليس القصد أن يزيد اهتمام الإدارة التقنية الوطنية بالتكوين، تكوين الأطر وتكوين اللاعبين على حد سواء، ولكن القصد أن تعلن الأندية الوطنية دخولها الجماعي لعهد العمل بمراكز وأكاديميات التكوين، فقد كان من الظلم حقا، أن نرمي بأغلظ العبارات القدحية، الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم عند كل إخفاق يضرب المنتخبات الوطنية السنية، بينما المتهم الرئيس في هذه الإخفاقات هي الأندية قاعدة الهرم الكروي، كيف لا وهي التي تمد المنتخبات باللاعبين.
تابعت المباريات الثلاث التي خاضها أشبال الأطلس بتونس، وتصدروا بعد الفوز بواحدة منها على الجزائر وتعادلين أمام تونس وليبيا، ترتيب البطولة الإقليمية، ووقفت عند الروح الإنتصارية والقتالية التي بثها في لاعبيه، المدرب الشاب زكرياء عبوب، حتى أن الفريق كان قطعة من روحه ومجسما لفكره الرياضي، إلا أنني موقن أن الأمر سيكون مختلفا للغاية عندما يدخل الأشبال النهائيات بموريتانيا، وتقودهم قرعة الدور الأول لملاقاة منتخبات إفريقية ضالعة في التواجد بالمونديالن بالنظر لسياساتها التكوينية، وبالنظر أيضا لخبرتها في تدبير المحطات الممهدة للحضور العالمي.
أتوقع أن يتعلم أشبالنا أشياء كثيرة عندما سيحتكون بمنتخبات جنوب الصحراء، وأنتظر أيضا من الإدارة التقنية الوطنية أن تتعبأ بكل خبراتها لإنجاز دراسة تقنية ميدانية تهم كافة تفاصيل هذه النهائيات، وبخاصة ما سيرتبط بمباريات أشبال الأطلس، إذ المؤكد أن خبراء الإدارة التقنية سيقفون لا محالة عند النواحي التي تتفوق فيها منتخبات جنوب الصحراء، بخاصة ما يتعلق بالجوانب الفيسيولوجية والبدنية، لتكون كل تلك الخلاصات التقنية، حاضرة بقوة في أي منظومة تكوين سيتم تعميمها على الأندية الوطنية.
أما الحقيقة الدامغة الثانية، فقد وردت على لسان فوزي لقجع رئيس الجامعة عند استقباله لأشبال الأطلس، ومختزلها المفيد أن لا حكامة ننتظرها ولا جدوى ننشدها من أي منظومة تكوين، إذا لم نضمن لمنتخباتنا الوطنية تواجدها في البطولات القارية التي تقود في العادة للعالمية، وإذا لم نحترم نظام التدرج بين المنتخبات الوطنية.
أما الحقيقة الدامغة الثالثة، فهي أن تعمد الأندية الوطنية إلى تشبيب نخبها، بأن تمنح لمدربيها مساحة أمان وهامش ثقة، لكي يقحموا في تشكيلاتهم الأساسية لاعبين بأعمار صغيرة ليسمح ذلك بتراجع متوسط الأعمار، وأيضا بتخفيض سقف أعمار اللاعبين المكتملي التكوين، على غرار ما نشاهده داخل فريق اتحاد الفتح الذي يعمل على إضفاء قيمة مقدرة على استراتيجية التكوين التي صاغها وعمل على تنزيلها بطريقة غاية في الإحترافية والدقة.