الذي استمع للكلمة التي وجهها فوزي لقجع رئيس الجامعة، لمكونات الإدارة التقنية الوطنية في إطار تفعيل ورش التكوين الذي جعل منه رئيس الجامعة كما أفضى بذلك في حواري الحصري معه قبل أسابيع، سيدرك أن الرجل وهو يضغط على الحروف، كان كمن يوقظ الضمائر ويستفز الملكات ويطلق التنبيهات، بل ويرفع سقف الإنتظارات إلى مستويات عالية، فما عاد هناك من وقت تضيعه كرة القدم الوطنية في البحث عن هوية متجددة وما عاد هناك هامش زمني يسمح بتعطيل العمل في هذا الورش الحيوي والإستراتيجي.
كان بالإمكان أن نقف عبر أمثلة كثيرة دالة على أن الشرخ الكبير الذي وقع في صرح التكوين، تكوين اللاعبين بدرجة أولى، هو ما أنتج حالات الإخفاق الكثيرة التي ضربت المنتخبات الوطنية، وهو ما جعل الكرة المغربية لا تنتج بالوفرة المأمولة لاعبين من مستويات عالية، برغم وفرة المادة الخام، وهو ما أدخلنا في بؤرة الإستنزاف، إستنزاف الأموال بالدرجة الأولى، إلا أنه برغم كل ذلك، لم يكن متاحا الحديث عن تكوين بمواصفات تقنية عالية، والأندية كلها تفتقد لمراكز تكوين، بل وتفتقد إلى البنى التحتية التي من دونها يستحيل الحديث عن سياسات تكوينية بالغة الدقة وضامنة للمردود الجيد، والحال أننا اليوم أصبحنا نحتكم لبنى تحتية تجيز الحديث عن ظروف اشتغال جيدة، ولو أن هذه البنى التحتية ليست بالعددية المطلوبة، لتوسيع قاعدة التكوين على كافة مدن ومداشر المملكة.
والحقيقة أن العجز الذي أشهرته الكرة المغربية في مجال تكوين لاعبي المستوى العالي، لا يعزى فقط إلى ندرة البنى التحتية وإلى هزالة الوسائل اللوجيستيكية المرصودة للتكوين داخل الأندية، أو حتى للبخل الفظيع الذي تبديه الأندية في وضع موازنات مالية سنوية للتكوين القاعدي، ولكن أيضا للتسيب الكبير الذي يعرفه قطاع التأطير التقني، تسيب من مظاهره وجود مؤطرين مرخص لهم بالخطإ لتأطير الفئات الصغرى، ومن مظاهره أيضا أن الأندية تخصص رواتب هزيلة لمدربي قطاع الناشئين، فلا تجد من يقبل بفتاتها إلا المدربين الفاقدين للقدرة على تجويد الإنتاج.
أول أمس السبت شاهدنا جميعا ما يقيم الدليل على أن هدرا بشعا للطاقات يمارس على أطفال وشباب هذا البلد بمسميات كثيرة، فقد كان يوسف النصيري الذي شغل إشبيلية وكل إسبانيا ب«الهاتريك» الذي وقعه في مرمى ريال سوسيداد، نجم المباراة هو الدليل على أن ببلادنا رأسمالا بشريا كبيرا جدا لا يستثمر فيه بالشكل الجيد، بخاصة في جوانب التكوين القاعدي بكل أبعاده الفنية والبدنية والذهنية والتكتيكية.
يوسف النصيري هو منتوج خالص لأكاديمية محمد السادس لكرة القدم العلامة الفارقة في زمن التكوين ببلادنا، من الأكاديمية التي تلقى بها تكوينا علميا سيحلق في صيف سنة 2015 صوب نادي مالقا الإسباني بقيمة قدرت ب125 ألف أورو، بعد أقل من 3 سنوات سيشتد ويقوى عوده، ليبيعه مالقا إلى نادي ليغانيس بمقابل مادي وصل ل5 ملايين يورو، أي أن نسبة الربح تجاوزت 25 مرة مقابل شرائه، وبعد سنتين بليغانيس سيتقدم إشبيلية لشراء النصيري مقابل 20 مليون أورو، ما كان يعني أن قيمة يوسف تضاعفت 4 مرات، وهذا وحده يفسر البعد الإقتصادي وحتى الترويجي الغائب عن استراتيجيات أنديتنا الوطنية، فالصناعة الكروية في ظل وجود المادة الخام لا يمكنها إن هي ازدهرت، إلا أن تعم بفائدة كبيرة على أنديتنا الوطنية وتخرجها مما هي فيه من قلة يد ومن أزمات مالية ومن اعتماد شبه مطلق على الريع الرياضي.
لا أقيم دليلا على جودة الرأسمال البشري الوطني بيوسف النصيري أو بياسين بونو وهما معا يمثلان اليوم مفخرة لإشبيلية شيخ أندية الأندلس، ولكن أيضا بالشاب نايف أكرد الذي تخرج من أكاديمية محمد السادس ومن مدرسة الفتح، ليصبح اليوم واحدا من اللاعبين الذين يشار إليهم بالبنان في نادي رين الفرنسي، وبالرائع جواد يميق الذي يفرض اليوم نفسه في بطولة الليغا إلى جانب ناديه بلد الوليد وهو منتوج خالص لمدرسة أولمبيك خريبكة.
من حق لقجع أن يرفع من حدة الصوت وأن يحدد لوثيرة العمل في مراكز التكوين سرعة قصوى ويضع لها سقفا أول، فما عاد هناك مجال لإهدار القدرات والزمن، وما عاد هناك شيء يمنع الأندية من أن تجعل من التكوين أولوية مطلقة وعائدا للإستثمار بعد سنوات من الهدر والضياع.