بالقطع لن يكون مشهد انتخابات الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم عاديا ولا بريئا ولا محمولا على قيم الروح الرياضية، فالبديهي أن تمثل هذه الإنتخابات التي ستكشف عن قائد جديد للكونفدرالية الإفريقية يخلف الملغاشي أحمد أحمد المقصي بقرار تأديبي وعن لجنة تنفيذية جديدة، إنعطافة كبيرة في مسار مؤسسة مريضة بعلل حكماتية، لا تجعلها مستقلة في صناعة القرارات ولا مؤهلة لمواجهة مخاطر الوصاية.
بين الأربعة الذين اعتمدت ترشيحاتهم للسباق الرئاسي، هناك تفاوتات على كافة الصعد، بل إن ولا واحدا منهم يعطي القناعة الكاملة على أنه كامل الأوصاف وعلى أنه رجل المرحلة بامتياز، ومن يتحدث عن المرحلة الحالية للكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم، يتحدث عن مؤسسة نيئة وهشة لا تقدر أبدا على أن تستقل بقراراتها ولا أن تنأى بنفسها عن الوصاية، وبين أن يحتكم المترشحون للقيادة للجمعية العمومية، للتصويت على من هو الأجدر بينهم ليكون في سدة الرئاسة، وللجزم في من هو أكثر مطابقة وتطابقا مع المرحلة، وأن تكون هناك توجيهات فوقية من «الفيفا» تحديدا لتوجيه دفة الإقتراع، يكبر لدينا اليقين أن الكونفدرالية واقعة للأسف تحت سلطة تسلبها حقها في تدبير نفسها بنفسها.
بين الأربعة المترشحين، هناك بالقطع من يحظى بدعم مباشر من الفيفا، فجياني إينفانتينو الذي كان ضالعا، وقد حضر لتوه إلى رئاسة الفيفا، في إحلال الملغاشي رئيسا للكاف خلفا للكامروني حياتو، الذي كانت «الفيفا» ترى فيه صدى للسويسري بلاتر المعزول، لن يصرف لا النظر ولا الاهتمام عن المشهد الإنتخابي للكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم، ليس لأنه يريد أن يطمئن لأهلية من سيأتي للرئاسة ولقدرته على تنفيذ وعده لكرة القدم الإفريقية وإشاعة النظافة والشفافية في التدبير وتجويد الحكامة، ولكن لأنه يريد أن تكون ل«فيفا» اليد الطولى في ال«كاف»، لأنها بلغة المال والتسويق سوق عذراء، وال«فيفا» يمكنها أن تجني من كرة القدم الإفريقية الملايير، تماما كما جنت الأندية الأوروبية من مواهبها الملايير بعد أن اشترتهم بتراب المال في عملية استنزاف بشعة.
تذكرون أن إينفانتينو الذي لا يقدر حتى على الإقتراب من الإتحاد الأوروبي لكرة القدم، ولا على رد تهديداته، لم يجد أدنى مقاومة من عائلة كرة القدم الإفريقية وهو يدخل إلى جحر ال«كاف» ليمارس وصايته بكثير من الإستزادة والسخرية، فبرغم أن الملغاشي أحمد أحمد قد قال تعليقا على وصول السينغالية فاطمة سامورا الأمين العام ل«الفيفا»، إلى الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم في مهمة افتحاص وحشر بديئ للأنف، أن ال«كاف» هي من طلبت من ال«فيفا» لكفاءة هيئة الحكامة بداخلها، لإنجاز ما أسمي وقتذاك بمهمة التقييم، إلا أن المضمر في هذا السطو على ال«كاف»، هو أن جياني إينفانتينو أراد تذليل الطريق أمام الإستثمارات التي ستأتي بها ال«فيفا» لخدمة مصالحها المالية قبل خدمة كرة القدم الإفريقية، باستحضار الشعار الذي يوهم الجميع، شعار «رابح رابح».
تذكرون أيضا أن سامورا تحدثت عن تقارير سوداء تتضمن حقائق صادمة، أمكنها أن تصل إليها وقد دخلت العلبة السرية ل«كاف»، وتذكرون أن أحمد أحمد بتحريض من رفقاء درب له، أشعروه بأن الإفتحاص طريق للهيمنة الفيفاوية، قال أن مهمة سامورا بلغت نهايتها وأن ال«كاف» ليست قاصرة للحد الذي تطول معه إقامة «المرأة المفتحصة»، ولعلها القشة التي ستقصم سريعا ظهر أحمد أحمد، إذ بكل الذي تمكنت منه سامورا من حقائق، ستصدر لجنة القيم داخل «فيفا»، قرارها بتوقيف أحمد لخمس سنوات لضلوعه في ملفات فساد واستغلال للنفوذ، وهو ما قطع عليه طريق الترشح لولاية ثانية على رأس ال«كاف»، ولا أظن أن اللجوء لمحكمة التحكيم الرياضي بسويسرا سيخلصه من الوثاق الفولاذي الذي وضعه إينفانتينو على رقبته.
بالطبع، لن أنفي عن الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم أنها أبطأت السير نحو الإصلاحات الهيكلية التي تجود حكامة التدبير، وأنها عطلت حركة تجفيف منابع الفساد وتحطيم جحور الفساد، وأنها تثاقلت كثيرا في تنزيل مقررات المناظرة التاريخية التي انعقدت بالصخيرات حول واقع كرة القدم الإفريقية..
ولن أكابر في الإقرار أن مؤسسة ال«كاف» تحتاج إلى ما يمنحها الحصانة اللازمة لكي لا تخضع للوصاية المتعالية، ولكي تتمتع بكامل الإستقلالية في صناعة قراراتها الإستراتيجية، إلا أن لا شيء يجعل عائلة كرة القدم الإفريقية تقبل بهذا التسلط من «فيفا»، حتى لو كانت ال«فيفا» ستأتي للكاف بالذهب الذي تبرق له العيون.. لا شيء إطلاقا يسمح بهذا الخنوع، حتى لو سلمنا بأن جياني إينفانتينو يحمل خيرا للكرة الإفريقية ولا يضمر لها شرا ولا عداءا.