لئن اتسعت قلوبنا المؤمنة بقضاء الله وقدره لما تحمله الأيام تباعا من نعي لأناس كنا نعزهم، فإن الصدر توجع والعقل تألم لرحيل السي عبد الخالق اللوزاني، فتلك شجرة وارفة الظلال والغلال سقطت، وذاك صرح رياضي هوى، وتلك شخصية فذة غادرتنا لدار البقاء، وتلك مكتبة احترقت..
نزل الخبر الحزين في الساعات الأولى من صباح يوم السبت على رؤوسنا جميعا كالصاعقة، عبد الخالق اللوزاني الذي أدخل قبل أيام لإحدى المصحات بمدينة الصويرة مسقط رأسه ومرتع أحلامه وصباه وملهمته في كل حين وآن، مصابا بفيروس كورونا اللعين، وافاه الأجل المحتوم وغادرنا إلى دار البقاء، لينخرط المغاربة في حزن كبير، الذين عرفوه مدربا لمجموعة الأندية الوطنية وللفريق الوطني، المغاربة الذين جايلوه وتعلموا منه، أو الذين أسعدهم الحظ فتدربوا على يديه، ونهلوا من معينه الفكري والإنساني قبل الكروي الشيء الكثير.
كنت شخصيا وأنا أتابع تطور حالته الصحية منذ أن أدخل المصحة بالصويرة، أمني النفس بأن يجتاز المحنة الصحية ويعود إلينا معافى ليكمل المسير متأملا وناقدا وناصحا، برغم أنه نأى بنفسه بعيدا عن دائرة الإشتغال، منذ أن حلت الإدارة التقنية الوطنية السابقة، فالرجل كان ذو أنفة وكبرياء لا يحب أبدا أن يداس له على طرف وأبدا لا يتقن التمسح ولا المحاباة، إلا أن أرادة الله كانت أقوى، فاختارته إلى جواره، وما أحسنه وأطيبه من جوار.
لا أستطيع عند تأبين المرحوم العزيز عبد الخالق اللوزاني، أن أكتفي بما يقوله الناعي، أو بالمختصر الشديد الذي يبلغ به الناس عن رحيل معلمة رياضية وطنية، فالمرحوم عبد الخالق اللوزاني كلما ذكر، إلا واقترن ذلك بمناقب وخصال ومميزات تفرد بها الرجل بين أبناء جيله، بها كبر في أعيننا، وبها أصبح علامة فارقة في تاريخ كرة القدم الوطنية، وبها رحل شامخا تماما كما عاش شامخا، لا يميل حيث الرياح تميل ولا ينكسر أمام شدة العاصفة، وأبدا لا يتنازل عن فلسفة الحياة التي تجعل منه كلا لا يتجزأ..
أربعة عقود، هي العمر الزمني الذي أنفقته على الإعلام الرياضي، وأجزم بأن المرحوم عبد الخالق اللوزاني، له في هذا العمر أشجارا أنبثها بفكره وبإنسانيته وبشغفه، وقد لا تتسع هذه الزاوية لكي أعيد الرسم بالكلمات لهذه التقاطعات المهنية، ولكن سأختزل كل ذلك بالقول أن عبد الخالق اللوزاني المثقف قبل الرياضي والمعلم قبل المدرب والإنسان قبل المربي، كان بالفعل حالة نادرة في زمنه، هو من جنس الذين نقول عنهم أنهم سبقوا زمنهم، شغوف، متبصر، ولوع، صبور وعنيد ولا يخاف عند قول الحق لومة لائم..
عبد الخالق اللوزاني الذي اختلفنا معه يوم قادته نجاحاته مع الأندية، وبخاصة تتويجه مع الكوكب المراكشي بلقب البطولة، إلى تدريب الفريق الوطني، أبدا لم يزايد على المودة والإحترام في تقدير وتدبير هذا الإختلاف مهما كان حادا، وأبدا لم يسئ معاملة الصحفيين حتى الذين تطرفوا في انتقاده، آمن بالإختصاص ودافع عن الإختصاص وكان يرى في التكوين العلمي لكل المتدخلين في كرة القدم الرافعة الحقيقية للتطور والتنمية.
ولا أبالغ إن قلت بأن اللوزاني كان من قلة المدربين الذين يؤمنون بالموسوعية في التفكير، حتى أنه استحق أن يلقب بالمدرب الفيلسوف والمدرب المفكر والمدرب المثقف، فالرجل كان لا يهاب أبدا دخول غمار الكثير من الحقول الفكرية والإبداعية والثقافية، بسبب أنه كان يملك الأسلحة المعرفية، والمأثور عنه، أنه قال لي يوما: «أتعرف أول شيء أبحث فيه عندما يأتيني عرض من أي فريق، قبل وضعيته المالية أو وضعيته في سلم الترتيب، أن أتعمق في قراءة المحيط والبيئة، إن فهم الخصوصيات الفكرية والإجتماعية للمدينة أهم من أي شيء آخر لإنجاح المشروع».
هل قدرنا المرحوم قدر نفسه، وقدر فكره الشاسع شساعة البحار؟ هل استفدنا منه غاية الإستفادة؟ هل استثمرنا جيدا في إرثه الرياضي وأخذنا عصارة تجاربه لتكون لنا معينا في ورش التحديث والبناء؟
تلك أسئلة الوجع التي تنبعث من رمادها كلما ودعنا قامة رياضية في قيمة المرحوم عبد الخالق اللوزاني..
رحم الله عبد الخالق اللوزاني وجازاه خير الجزاء عما أعطى ووهب لبلاده، ورزقنا جميعا أهله وخاصته ومحبوه الصبر الجميل على رحيله.