من نفثوا في الفضاء سما، ومن بعثوا في الأنفس يأسا، ومن أبخسوا منتخبنا المحلي حقه في التنويه والإشادة، وقللوا من حجم ما ذهب من أجله أسود البطولة إلى الكاميرون، إما أنهم تبخروا في الهواء، إما أنهم انقلبوا على أنفسهم، وإما أنهم بهتوا وساء ما فكروا فيه.
لا نية لي أن أعطي لبطولة إفريقيا للمحليين حجما أكبر منها، ولا أن أقدس هذا اللقب الذي جاء به الأسود من الكاميرون ليبقوا كرة القدم الوطنية في ريادتها الإفريقية، ولا نية عندي أن أظهر للعدميين أن هذه المسابقة القارية كبيرة بجغرافيتها وأنها أرحب بكثير من المساحات المرصودة لها، ولكن كيف لا نحتفل ببطولة نجلس على عرشها لمرتين متتاليتين، كيف لا نعتبر هذا الشأن الذي توجنا بلقبه تجسيدا للمكانة الرائعة التي انتزعتها كرة القدم الوطنية في السنوات الأخيرة، وهي تتألق على مستوى النوادي وعلى مستوى منتخبها المحلي.
المغرب احترم هذه المسابقة منذ نشأتها قبل 11 سنة، احترمها لاحترامه كل ما هو إفريقي، كل ما يخرج من رحم وصلب قارة الأمل، صحيح أنه ما دخل هذا "الشان" إلا لاستيفاء الأغراض الرياضية التي من أجلها ولد، ولكن أيضا ليكون سندا لكل الميلادات الإفريقية، وعندما كان لابد وأن ترى كرة القدم الوطني نفسها في مرآة إفريقيا، لتعرف قدرها ومدى تطورها، فقد رأته في هذه البطولة، لذلك يكون من الإستراتيجي أن نضع التتويج بلقبين لبطولة الشأن في حجمهما الطبيعي، الحجم الذي يعترف لنا بالريادة قاريا والحجم الذي يدفع إلى مواصلة العمل في كل الأوراش الكبرى التي تقتحها الجامعة الواحد بعد الآخر.
.. ثم إن هذا المنتخب المحلي، مثلما كذب من استخفوا به، فإنه أعلى من قدر مدربه وربانه الحسين عموتا والذي أصابه نفس ما أصاب فريقه، عندما تطاول البعض عليه في مستهل النهائيات، وظلموه بأحكام قيمة سقطت سريعا والبطولة تبرز علو كعب الرجل ودرجة النجاح التي بلغها في إعمال فلسفته ومنظوره التكتيكي.
للأسف، هناك من لا يعامل الحسين عموتا بالنجاحات التي حققها هنا بالمغرب مع فريقه الأم اتحاد الخميسات في حبوه التدريبي ومع الفتح الرباطي ومع الوداد البيضاوي، وهناك بقطر مع ناديه السد، فهوى عليه بما لا يطيقه عقل، والحال أن عموتا البراغماتي والأكاديمي كان واثقا من نفسه ومن نجاعة فلسفته، وأن ما يرميه به الآخرون هو باطل لا يعتد به، بل إن ما يقذف به، أصبح مع توالي المباريات كالزبد الذي يذهب جفاء ولا ينفع الناس.
قصة نجاح هذا المنتخب المحلي وهو يأتي بلقب "الشان" من خارج المغرب، متحديا جائحة كورونا وما إلتصق بها من تداعيات ومتجاوزا المؤثرات المناخية، هي ذاتها قصة نجاح المدرب عموتا في فرض نفسه كإطار تقني مستوعب لكثير من المتغيرات التي يعج بها عالم كرة القدم، فمن كان يدعي عليه الإنغلاق، جاءه الدليل من اللاعبين على أنه كان منفتحا على أحلام لا حدود له، ومن وصفه بالدفاعية الصماء التي لا يسمع معها صوت للإبداع، صدمه نقيض كل ذلك والمنتخب الوطني المحلي يفوز بالخماسيات والرباعيات والثلاثيات ويسجل 15هدفا في البطولة كأقوى خط هجوم، بل إنه سيسجل 14 هدفا في 4 مباريات وأترك لكم حرية التعليق.
هذا الذي يرمى كالباطل على الحسين عموتا، ذكرني بما كان قد أسر به إلي المرحوم عبد الخالق اللوزاني في إحدى الجلسات الممتعة التي جمعتني به، فقد وجدته يقول لي ردا على من وصفوه بالمدرب الدفاعي والإسمنتي: «هؤلاء الذين يصفونني بالمدرب الدفاعي، لا يدركون أن منظومة اللعب هي كالبيت الذي نبنيه، وأصعب ما في البناء هي الأساسات والخرسانات، التي من دونها يسقط البيت على الرؤوس، والفريق لا يمكن أن تكون له هجومية جيدة من دون دفاعية جيدة، قبل أن نصنع بالكرة شيئا، علينا أن نحصل عليها أولا، وأنت تشاهد أن كل ما يفعله المدربون اليوم هو الوصول لدرجة عالية من الإتقان في استرجاع الكرة»، وكان اللوزاني رحمة الله عليه وهو الذي سبق زمنه بسنوات محقا في كل الذي قاله، لذلك إن حدا عموتا حدوه، فلأن كرة القدم الحديثة لا يمكن أن ترى في فريق وجهه الهجومي قبل وجهه الدفاعي، والمنتخب المحلي الذي تثاءب في أول مباراتين ولم يسجل غير هدف وحيد من كرة ثابتة، أنهى المسابقة بأقوى دفاع وبأقوى هجوم، ومن يجمع بين الحسنين يستحق الإشادة، أليس كذلك؟
هنيئا لمنتخبنا المحلي بقاءه جالسا للدورة الثانية تواليا على عرش الكرة الإفريقية، هنيئا للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم التي آمنت بهذه البطولة الإفريقية ونفخت في روحها، هنيئا لكل الأسود الذين أهدونا السعادة وأهدوا المغرب الفرح الجماعي في وقت عزت فيه الأفراح، وهنيئا للحسين عموتا الذي صمم ملحمة كروية جديدة لكرة القدم المغربية، أما صناع الوهم فليشقوا بجهلهم..