بدت مباراة الوداد وكايزر شيفس ككرة الثلج التي تكبر وتكبر، إلى أن رماها السيل إلى قاع البحر فتبخرت، جرت هذه المباراة بين العواصم والأدغال تطلب اللجوء الرياضي، وكلما حصلت على شهادة إقرار بموعد ومكان للإقامة، إلا وأعيد ترحيلها مثل الجذام، واليوم هي مرسلة بالبريد المضمون من كونفدرالية ضربتها الجائحة، إلى المجهول. ما الذي يجعل مباراة من مباريات عصبة الأبطال تلقى مصيرا كهذا، لتصبح موبوءة لا أحد يرغب فيها؟ كان قرار سياديا من المغرب ألا تجرى المباراة على أرضه كما كان مبرمجا لها من قبل، فلا اأجندة سياسية تحكمت في القرار، ولكن إجراء وقائيا اتخذه المغرب كالعشرات من القرارات الإحترازية والوقائية التي اتخذها منذ أن حلت بنا الجائحة، ويقضي بوقف كل الرحلات الجوية والبحرية بين المغرب وكل الدول التي تفشت بها السلالة المتحورة لفيروس كورونا، وفي مقدمتها بالطبع جنوب إفريقيا. وأمام سيادية القرار الذي لا يبقي لا للجامعة ولا للوداد هامشا للمناورة بهدف خلق الإستثناء، كان على الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم كحال كل الاتحادات القارية الأخرى، أن تتدخل حماية لمنتوجها وتجد للمباراة أرضا أخرى غير المغرب، وتفرض فرض عين على الوداد احترامه والإذعان له، إلا أنها اختارت أن تشنق الجامعة والوداد، فطالبتهما بإيجاد ملعب بديل بعد 24 ساعة فقط من زمن التأجيل الأول، وإلا فإن الوداد سيعتبر خاسرا للنقاط الثلاث ولربما قد يعرضه ذلك لعقوبات مالية تطبيقا لنظام تنافسي كان لابد وأن تضاف إليه بنود إستثنائية هي من وحي الجائحة وما يصطلح عليه قانونا بالقوة القاهرة. وأبدا لم تتعب الجامعة في إيجاد بلد مستضيف للمباراة في زمن قياسي باغث الكاف نفسها وحتى الفريق الجنوب إفريقي، ذلك أن الشقيقة مصر أبدت استعدادها لاستضافة المباراة طبقا للمنصوص عليه في قرارات الكاف، أي إجراؤها قبل العشرين من شهر فبراير الحالي، إلا أن ما سيحدث بعد ذلك سيدخل المباراة إلى الجحيم. مع قبول الشقيقة مصر بإيواء المباراة، سيطالب كايزر شيفس بإعادة تأجيل المباراة متحججا ب«عوائق مختلقة»، ستقبل الكاف ذلك، وكم كانت المفاجأة صاعقة، ذلك أن مصر ستبدي عدم استعدادها لاستضافة المباراة في التاريخ المعدل، ولها الحق في ذلك، ليس إمعانا في إذلال الكاف وفضح هوايتها ورعونتها، ولكن لاعتبارات رياضية سيادية، ما سينتهي بالكاف إلى رفع راية الإستسلام للجزم بأن المباراة المغضوب عليها تم تأجيلها إلى أجل غير مسمى، لربما إلى ما بعد شهر مارس، حيث سيكون لعائلة كرة القدم الإفريقية موعد هنا بالمغرب لتنظيف ما ظل عالقا بمؤسستهم الكروية من أوساخ وعوائق ومثبطات تحول دون السير إلى الأمام. بينما لم يجد الإتحاد الأوروبي لكرة القدم، ليده الطولى ولكلمته النافذة ولقراراته الحازمة التي لا تلقى أي معارضة، أي عناء لتصريف ذات الأزمة التي عانت منها مباراة الوداد وكايزر شيفس، عندما رحل مباراة لايبزيغ وليفربول ومباراة مونشنغلادباخ ومانشستر سيتي إلى بودبيست بهنغاريا، وعندما رحل مباراة أتلتيكو مدريد وتشيلسي إلى بوخاريست برومانيا، بسبب حظر ألمانيا وإسبانيا لكل الرحلات الوافدة من بريطانيا ومن الدول التي تفشت فيها السلالة المتحورة لفيروس كورونا، وبينها طبعا جنوب إفريقيا، كانت الكونفدرالية تخبط خبط عشواء ولا تعرف ما هي فاعلة بكل هذه المستجدات المتكومة، إن لم يكن ذلك بسبب ضعف التأثير وضعف النفوذ في محيط الوصاية، فليكن بسبب ما أصبحت الكاف مرتعا له، من مؤامرات وسلخ وضرب للحزام، صراعات ظاهرها رياضي وبطنها سياسي متخلف. حرام ما يفعل بك أبناؤك يا إفريقيا..