لا نحتاج إلى فراسة قوية لنحدس الذي جرى الحديث عنه في الإجتماعات المغلقة التي دارت هنا بالمغرب وقبلها بموريتانيا وقبلهما بالكاميرون بين فوزي لقجع وجياني إينفانتينو رئيس الفيفا، فشرطية الراهن الكروي الإفريقي والسياقات الزمنية والإستحقاق الإنتخابي الذي ينتظر الأفارقة، لاختيار قيادة جديدة للكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم، كلها أشياء لا تحتاج منا لحذاقة لنقول أن ما تناوله إينفانتينو وفوزي لقجع خلف الأبواب الموصدة، كان هو المستقبل القريب للمؤسسة الوصية على كرة القدم الإفريقية والتي صارت لسنوات بؤرة لكثير من التجاوزات والتخبطات الدالة على ضعف بين في استعمالات الحكامة. وبرغم أن منطق الأشياء واستقلالية المؤسسات الذي هو شرط قوي لتجويد الحكامة، يقول بأن الكونفدرالية يجب أن تصنع مستقبلها القريب بفكر أبنائها من دون مبالغة في حشر الآخرين لأنوفهم، إلا أن ما يوجد اليوم من احتقان ومن سباق سياسي قبل الرياضي، يفرض فرض عين أن تكون للفيفا عين على المشهد الإنتخابي، يهمها بالأساس سلامته وديموقراطيته، ويهمها أكثر من ستفرزهم الإنتخابات ليكونوا هم صناع القرار. وإذا كان جياني، الذي يجول إفريقيا هذه الأيام طولا وعرضا، ليستقرئ ويستنبط ويفك الشفرات وحتى الطلاسيم وليوجه أيضا، يضع نفسه على مسافة مقدرة من الإستحقاق الإنتخابي للكونفدرالية الإفريقية، حتى لا يلام على ضلوعه في تنصيب هذا الرئيس أو ذاك، كما حصل في المرة الأخيرة عندما جعل إفريقيا تزحزح الهرم الكاميروني عيسى حياتو من عرش الكرة الإفريقية وهو الذي جلس عليه زهاء 29 سنة، وتنتخب بدلا منه المغمور أحمد أحمد، فإن للمغرب كامل الحق في أن يفعل دوره الريادي في مأسسة كرة القدم الإفريقية بالشكل الذي يتناسب مع قوة الرهانات وهول الأوراش المعطلة. والمغرب الذي اختار على عكس كل التوقعات والتنبؤات أن لا ينافس على رئاسة الكونفدرالية، وفضل أن ينافس رئيس جامعته فوزي لقجع على مقعد بتنفيذية الفيفا، لا يمكنه أن يظل مجرد متفرج على مشهد إنتخابي يظهر بأنه سيكون الأسخن بين كل المشاهد الانتخابية السابقة، فمع اقترابنا من يوم 12 مارس موعدا لانعقاد الجمعية العمومية الانتخابية للكاف بالرباط، لم يسحب أي من المتنافسين الأربعة على رئاسة الكونفدرالية ترشيحه، ما يعني أن هناك حسابات معقدة تحرض على تربيطات من نوع خاص، وتحرض أكثر على كولسة من المستحيل أن لا يحضر فيها التأثير السياسي، بالنظر لقيمة المنصب ولما تمثله كرة القدم في كل الدول الإفريقية من إستثنائية في المشهد الرياضي بشكل عام. بالطبع لا أحد منا يجزم بالطرف الذي اختار المغرب أن يدعمه، بل وأن يجدب إليه الأصوات والسندات، ولو أن رئيس الجامعة فوزي لقجع عند محاورتي له قبل أسابيع، وضع زاويتين لمعالجة هذا الإستحقاق الإنتخابي الساخن والمعقد بل والإستثنائي للكاف، زاوية أولى تتعلق بالمقاربة الجديدة والآمنة التي يجب أن تحضر في تدبير الإستحقاق الإنتخابي، وهي أن تنتخب إفريقيا البرنامج والرؤية والإستراتيجية قبل الشخص، وهي زاوية لا أتوقع أن يقف الكثير من الأفارقة عندها. أما الزاوية الثانية، فهي أن المغرب سيختار من الأربعة المتنافسين على رئاسة الكونفدرالية من يراه الأنسب والأليق بالمرحلة الصعبة والدقيقة التي تمر منها مؤسسة الكونفدرالية الإفريقية، ومع اختيار الجامعة للطرف الذي ستدعمه لاستيفائه شرط الجدارة والأهلية، سيكون هناك عمل آخر في الكواليس لحشد الأصوات الإفريقية، بخاصة تلك التي ترتبط مع الجامعة بشراكة توحد الكلمة والقرار..