بدا لي خير الدين زطشي كالعزيز الذي ذل ولم يرحمه قومه، فالرجل ما إن عاد للجزائر يجر ذيول الخيبة وقد تبخر سريعا حلم الوصول إلى مجلس الفيفا، حتى واجه تنكيلا وضربا مبرحا من الذين يحتمي بهم جنرالات مخيمات العار ليكونوا لهم أبواقا تنشر الفتنة، وتفتري على الناس، أو من الذين ينصبون أنفسهم حماة لعهد مضى كان خلاله محمد راوراوة القائد الملهم في نظرهم لكرة القدم الجزائرية.
من لم يحسن يوما الحلاقة الإعلامية، تعلم «الحسانة» في الرئيس المسكين زطشي، ومن إستقوى وخرج أخيرا من كهف المقت والخديعة بعد طول تنكر في صوف الحمل الوديع، مارس الجلد بلا رحمة من دون وازع أخلاقي ونهش عظم الرجل، وفي كل هذا ظلم خير الدين زطشي من ذوي القربى أشد ما تكون المضاضة، أكثر مما ظلم نفسه وقد قرر بكل تهور أن يركب موجا عاتيا وأن يدخل عرين السباع بلا حساب للعواقب.
جلدوا خير الدين زطشي واعتبروه وصمة عار في جبين الكرة الجزائرية، لأنه خسر ب«الكاو التقني» مع فوزي لقجع، وساءلوه عن سر تأخره في رفع الراية البيضاء، كيف لم يتفطن إلى أنه لا يملك في النهاية إلا صوته، وقرر بعد أن أعادته محكمة التحكيم الرياضية إلى السباق على منصب بتنفيذية الفيفا، أن يمضي مهرولا وراء السراب، وبقدر ما يسأل زطشي عن هذا التهور وعن غياب الفطنة في تبين خيط الحقيقة من خيط الوهم، فإن من قسوا عليه بهكذا نقد لتركه المرتع كاملا لفوزي لقجع، لربما غاب عنه أن لقجع قبل أربع سنوات وكان عظمه وقتذاك طريا، تمكن من هزم محمد راوراوة في عرين الأسود بأديس أبابا بحصة قاسمة للظهر، فكيف يكون الحال وقد آمنت كل إفريقيا بأن لقجع هو خير من يستحق أن يكون سفيرا للكرة الإفريقية في مجلس الفيفا، وبأن الرجل ينتمي لبلد صدق القول والفعل مع قارته.
إلا أن ما أشفقت فيه على زطشي أن يحمله المندلقون والمتشدقون مسؤولية الإنتصار الديبلوماسي الذي تحقق بالجمعية العمومية للكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم بالرباط، وهذه الجمعية تصوت بالإجماع ومن دون أدنى تحفظ على تعديل في الفقرة الرابعة من بند العضوية، يقضي بأن لا تقبل عضوية أي اتحاد كروي بالكونفدرالية ما لم يكن البلد المنحدر منه هذا الإتحاد الوطني حاصلا على اعتراف من الأمم المتحدة، وغاية هذا الهجوم الشرس على زطشي الذي بقي معزولا في عرين الأسود، أن الذين ينتصرون من الجزائريين للكيان الوهمي وجدوا أنفسهم مندحرين، فقد تبدد للأبد حلم الإنفصاليين بكيانهم المزعوم في الإقتراب يوما من الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم حتى لو احتموا في ذلك بالشيطان.
وسواء بح صوت زطشي خلال الجمعية العمومية فلم ينبس عند عرض التعديل ببنت شفة، أو أنه لم يخبر من دولته بالذي يجري التحضير له في الرباط، فإن الحقيقة الماثلة أمام الجميع هي واحدة لا ثاني لها، وقد كان لقجع على حق عندما قال عند نهاية الجمعية العمومية أن ما يزيد على الفخر بنيل عضوية مجلس الإتحاد الدولي لكرة القدم، هو المصادقة بالإجماع من هذه الجمعية العمومية على التعديل المشار إليه في المادة الرابعة، والذين أشركوا في هرطقاتهم الإعلامية وحملاتهم العمياء جياني إينفانتينو رئيس الفيفا مع رئيس اتحادهم الكروي زطشي، للقول بأن هذا الذي فعلته الكاف يعتبر خرقا للتشريعات الدولية، ربما فاتهم أن الإتحاد الأوروبي لكرة القدم (اليويفا) واتحاد أمريكا الجنوبية ( الكونميبول) ضمنا هذا التعديل في نظاميهما الأساسيين، بحيث أن أي عضوية جديدة لن تمنح لأي اتحاد كروي إلا إذا حصل البلد الذي ينحدر منه على اعتراف من الأمم المتحدة، و«مريضنا ما عندو باس».
لا عزاء لمن تحطمت نواياهم السيئة وقلوبهم المريضة، مرتين بالجمعية العمومية للكاف، ولا تنازل سيبديه المغرب بعد اليوم عن مبدإه في الدفاع عن وحدة أراضيه وعن سيادة القانون بإفريقيا وعن التعرض بشكل كبير لكل أشكال الإرتزاق، وليعرف كل الذين يستهدفون وحدتنا الترابية ومصالحنا الكبرى في قارتنا، أن المغرب هو الليث الذي إن رأى الناس أسنانه بارزة، فلا يظنون أن المغرب يبتسم..