كان لزاما أن تنتقل كرة القدم الوطنية للسرعة القصوى في سيرها الحثيث لاستكمال ما بقي من طريق يوصل إلى الشكل المثالي للإحتراف، ليس القصد أن يسقط القطار بسرعته تلك ما أمامه من إشارات ضوئية أم أن يتجاوز محطات مهمة في السفر، ولكن القصد أن يتدارك ما أهدر من زمن في ترطيب الخواطر وأن ينقي الطريق من المعطلات، بخاصة تلك التي لها طبيعة قانونية. ولعل الشكل الإحترافي الذي ارتضته كرة القدم لنفسها وكان واضعه مشرع أخذ بعين الإعتبار ما مر على دول أخرى من تجارب في تثمين وتهوية الإحتراف حتى لا يختنق بدخانه، هو ما يلزمنا بقبول كل هذه الإجراءات التنظيمية التي تتوالى والتي تجتمع كلها في التحلل مما بقي عالقا في المشهد الكروي الوطني من ممارسات هاوية.. وإذا كان صحيحا، أن الدخول الفعلي في الزمن الإحترافي لا يكون فقط بتغيير المنظومة القانونية، ولا يكون فحسب برصد ما هو متاح من إمكانات مالية ولوجيستية لتأهيل كرة القدم، ولكن يكون على الوجه القبلي بتغيير العقليات وبإنتاج نخب رياضية جديدة تقطع مع ما كان سائدا من اشكال للتدبير كانت تنسجم مع زمنها، وهذا الأمر لا يحتاج لسنة أو سنتين ولكن لسنوات كثيرة، يكون فيها التنقل بشكل تدريجي من نمط تدبيري قائم على الهبات والريع وحتى الإستجداء من دون أدنى رقابة لا ذاتية ولا ضريبية إلى نمط يحضر فيه الإستعمال الجيد للحكامة. وكما أن كرة القدم الوطنية عاشت في عقدها الأخير على وقع العديد من الثورات على مستوى التنظيمات وعلى مستوى البنية القانونية وعلى مستوى نمط التسيير بشكل عام، بخاصة مع إدخال الأندية لفلك الشركات الرياضية، تفعيلا لقانون التربية البدنية والرياضة الذي يرى في هذه الشركات المدخل الأساس لإقرار الفكر الإحترافي في تدبير وإدارة الأندية، فإنها ستكون خلال الجمع العام القادم للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم على موعد مع تعديلات جوهرية الغاية منها تنصيب مزيد من المتاريس القانونية التي ستنهي سريعا الكثير من العوائد السيئة وتسرع وثيرة العمل في الورش الإستراتيجي لكرة القدم الوطنية. على أنظار الجمع العام القادم سيعرض تعديلان على النظام الأساسي وعلى القوانين العامة، أحدهما سيزيد في عقلنة التدبير المالي للأندية والحيلولة دون استفحال ظاهرة النزاعات بين الأندية وبين المتعاقدين معها، فلن تمنح الأندية بعد التصديق على التعديل، سوى 45 يوما لتصفية أي ملف عالق بينها وبين لاعب ألغي عقده أو مدرب منفصل عنه، وإلا فإن النادي المعني بالمخالفة القانونية لن يعطى حق الدخول للميركاطو الموالي، أما ثاني التعديلين المهمين، فهو أن كرة القدم ستنهي للأبد علاقتها باقتصاد الريع، بمسيرين يقدمون لأنديتهم سلفات وبعد ذلك يأتون للمطالبة بها، فكل سلفة بعد الآن ستعتبر هبة وليس دينا يثقل كاهل الفريق، كما أن لا شيء على الإطلاق يعفي رئيس النادي من أي متابعة قضائية حتى لو ترك منصب الرئيس. من جحور كهاته لدغت أندية كثيرة، ومن كؤوس كهاته شربت الأندية من المرارة ما أنهكها وأتلف قدراتها الرياضية، ولا حاجة للتذكير بالحجر المالي الذي مارسه بعض الرؤساء على الأندية فاستوطنوها قهرا، تحت طائلة المطالبة بديون هلامية، لا أحد يستطيع أن ينفي على أصحابها ذاك الحق وهو موقع لهم تحت الإغراء أو تحت التهديد، الأمران سيان. إن تجويد التدبير الرياضي للوصول به إلى مستويات توجب الحديث عن جودة الحكامة، هو رهان صعب وورش شائك، لطالما أن الإشتغال لا يكون فقط على الترسانة القانونية، ولكن أيضا على البنية الذهنية وعلى العقليات التي سادت لزمن طويل ولا تبدي أي استعداد للإنسحاب من المشهد الكروي، لذلك أعتبر أن ما سيعرض على الجمع العام العادي للجامعة بغرض المصادقة، تدابير ثورية سندرك خلال سنوات مدى قيمتها ومدى شجاعة كرة القدم في التصديق عليها، عندما يرتقي التسيير عندنا درجات معلومة في سلم الإحتراف، يزيد من خلاله المغرب في تحصين وتجويد مشروعه الإحترافي، ويكون لقارته الإفريقية المرجع الجميل الذي يسهل الإقتداء به.