حتى وإن اعتقد البعض لحد الجزم، أن المقارنة لا تصح لوجود فوارق بطول جبال الأطلس، وحتى ولو عارض البعض مجرد الإقتراب من مشهد كروي أوروبي تضبطه الكثير من المعايير الإحترافية، وأقواها معيار الحكامة الذي يفرض أن يتقيد كل واحد باختصاصه فلا يتطاول على اختصاصات غيره، كما يفرض أن تكون القرارات صادرة من دون ضغوطات ولا إملاءات من الجهاز التنفيذي، إلا أنني بدافع الإستئناس، وأنا أرقب ما يتفاعل في المشهد الرجاوي منذ الخسارة أمام الغريم الوداد في «الديربي الملعون» بالنسبة للخضر، أستحضر على وجه التدليل لعله يكون سببا للإقناع، ما حدث في مشهد ريال مدريد وبرشلونة اللذين يستعدان لإهدائنا فاصلا جديدا من السحر الكروي يوم السبت القادم في إطار إياب كلاسيكو الأرض. لم ير جمهور الرجاء، في قاعدته لا في استثناءاته، من مسؤول عن خسارة النسور في الديربي أمام الغريم الوداد، غير جمال السلامي، وقد كنت سأوافق هذا الجمهور الرأي على أن المتهم الأول في جنحة الخسارة تكتيكيا غير الحظ الذي جعل كرتان تزيغان عن المرمى لتصطدما بالقائم، هو جمال السلامي، بل إن جمال بالشجاعة التي أعرفها عنه كان سيشهر على الملء الأخضر ضلوعه في الخسارة، لأنه هو المسؤول رياضيا عن كل نتيجة يتحصل عليها فريقه، إلا أنني لم أكن لأوافق إطلاقا على أن تكون الخسارة مدعاة لهذه الرجة التي حدثت، لكل هذا الإحتقان الذي حصل، وأن تكون قاطعة الرأي في أن جمال السلامي انتهت صلاحيته وعليه أن يرحل فورا عن العارضة التقنية للرجاء. من حق الجمهور أن يغضب من كل خسارة تمزق بداخله الأضلع والجوارح، بخاصة عندما تكون هذه الخسارة أمام فريق غريم كالوداد، ومن حق هذا الجمهور الذي يتنفس هواء فريقه ويضحي من أجله، أن يعبر بكل أشكال الإحتجاج الحضارية عن هذا الغضب، إلا أنني أكبر في هذا الجمهور الأخضر أن تكون ذاكرته قصيرة فلا يذكر لجمال السلامي أي حسنة طوال الفترة التي قضاها مشرفا على تدريب النسور، بل إنني لا أصدق أن يكون بين جمهور الرجاء من يرتفع صوته حادا كالسيف، ليقول أن جمال فشل مع الرجاء ولا يوجد هناك رائحة لأي نجاح. لا أذكر عدد المرات التي انتفض فيه جمهور ريال مدريد هذا الموسم، في وجه رئيسه فلورنتينو بيريز، والفريق الأبيض يتأرجح في نتائجه، لدرجة أنه خسر لمرات في معقله ولدرجة أنه خرج من كأس الملك على يد فريق من الأقسام السفلى (ديبورتيفو ألكويانو)، وفي كل مرة كان يتصاعد الإحتجاج من مدخنة الريال، إلا وتكون هناك مطالبة بالإنفصال عن زين الدين زيدان، تارة لأنه يتعاطف مع لاعبين إنتهت صلاحيتهم، وأخرى بحجة أن فكره التكتيكي تعرض لحالة من الإحتباس، وأبدا لم يتزحزح رئيس الريال عن قناعته بأن لا جدوى من الإنفصال في هذا التوقيت عن زيدان، والنتيجة أن ريال مدريد وهو على أهبة مواجهة الغريم برشلونة في الكلاسيكو، لم يخسر في مبارياته 12 الأخيرة، بل إنه حقق أول أمس الثلاثاء فوزا بينا على ليفربول وبات قريبا من المربع الذهبي لعصبة الأبطال المسابقة التي يجلس بشموخ على عرشها. برشلونة الذي حجز مكانا له في نهائي كأس الملك ويقف على بعد نقطة من متصدر الليغا أتلتيكو مدريد، أقام مناصروه الدنيا ولم يقعدوها مع مجيء الهولندي كومان، وتزامن ذلك مع تضارب في النتائج، فمنهم من لعن الإدارة لأنها اختارت أسوأ من في الربابنة التقنيين، ومنهم من رأى أن برشلونة سائر إلى الهاوية بسبب التدبير التكتيكي الأرعن، لولا أن برشلونة الذي غير الرئيس ولم يغير الربان التقني، سجل صعودا هلاميا بتحقيقه 6 انتصارات متتالية، عاد معها من بعيد ليصبح منافسا قويا على لقب الليغا، ما يؤكد أن القرارات الحاسمة والمصيرية التي يتأسس عليها حاضر ومستقبل الفريق لا يمكن أن تؤخذ في لحظة انفعال واشتعال المشاعر وتحت أي شكل من أشكال الضغط الذي يتلف التركيز ويغيب العقل. إن بدا اليوم حتميا لجمال السلامي، أن يغادر الرجاء برغم الإلحاح الكبير من اللاعبين والمسيرين والحكماء، حقنا للمشاعر وخضوعا لأحكام الإنتماء، فما أتمناه ألا تشعر جماهير الرجاء، بخاصة من شدد منهم على ضرورة خروج السلامي من العرين الأخضر، بالذنب وبالندم، الذنب لأنهم حملوا جمال ما لا يحتمل ولم يعترفوا له بأي نجاح من أي نوع، وبالندم على أن من جاء بديلا لجمال لم يحقق نصف ما حققه السلامي.