عندما أخذت علما بالندوة الصحفية التي دعا إليها المدرب والناخب الوطني خاليلودزيتش، طرحت على نفسي سؤال السياقات الزمنية وسؤال الدافع الرئيس للقاء وحيد بالزملاء الإعلاميين لأول مرة بهذا العدد منذ أن حلت بنا جائحة «كورونا»، فما أكرهتنا عليه الظروف أن يقتصر الحضور الإعلامي في الندوات التي دعا إليها وحيد للكشف عن لوائحه، على الزملاء العاملين بالإعلام الرسمي. كان من الطبيعي أن أحيل نفسي على نهاية مرحلة في الزمن المفترض لوجود وحيد على رأس العارضة التقنية للفريق الوطني، فالأسود أنهوا بنجاح مسار التصفيات بتأهلهم للأدوار النهائية لكأس إفريقيا للأمم، بل إنهم كانوا من بين قلة من المنتخبات التي أمنت تأهلها جولتين قبل نهاية المسار التصفوي، وكانوا أيضا محشورين في عداد المنتخبات التي حققت أرقاما مميزة في المباريات الست لدور المجموعات الإقصائية، لذلك كان متوقعا أن يأتي وحيد للحديث عن المرحلة بتداعياتها ودروسها ومخرجاتها الفنية والتكتيكية قبل الرقمية، وفي ثنايا العرض سيشفي غليلنا جميعا بالإجابة على سؤال المرحلة المرتبط بشكل الأداء الجماعي، هل هو يتغير للأفضل؟ هل هو لائق بفريقنا الوطني؟ وهل يمكننا الإعتماد عليه ليكون لنا عونا في رهاننا القادم والذي يبدأ شهر يونيو القادم، رهان تأمين التأهل الثاني تواليا لنهائيات كأس العالم؟ لكن يبدو أن ما جاء بوحيد إلى ندوته تلك، ليس هو استجلاء الغموض، وليس هو الكشف عن طبيعة الصورة المشوشة، ولا الحديث بلغة الأرقام عن الذي أنجز حتى الآن في ورش تحيين الأداء الجماعي، ولكن ما جاء به لهذه الندوة هو إخراج شحنات الغضب المتكوم في صدره، والإفراج عن القهر النفسي الذي شعر به بعد الذي قرأه وسمعه هنا وهناك من صيحات الإستهجان ومن مطالبة حتى بالإنفصال عنه، فالبعض يرى أن لا جدوى من الإبقاء على وحيد لأننا لن نجني من ذلك غير الندم والوجع.. أشبه ما تكون بندوة الوعيد والمجاهرة بالسوء، فما كان وحيد بحاجة أبدا إلى أن يرمي بشكل مستهجن غضبه على مغاربة يحبون فريقهم الوطني، ولا أن يكيل العداء للصحفيين وهو أحوج ما يكون إلى ثقتهم ودعمهم، ولا أن يصدر بشكل أرعن استنكاره للأصوات المطالبة برحيله، فيخسر مساحة مقدرة من الود الذي يفترض أن يكون مغذيا للعلاقة مع المغاربة ومع رجال الإعلام تحديدا. شخصيا، تصديت للموجة التي حركها البعض بغرض الفتنة، والداعية للإنفصال عن وحيد خاليلودزيتش، وما فعلت ذلك إلا لتقديري الكامل بأن الفريق الوطني أنجز بنجاح مهمة التأهل للكان مهما قللنا من شأن ذاك التأهل بوجود منتخبات ضعيفة في مجموعتنا، ويقيني من أن المجازفة اليوم بأي تغيير للربان التقني والفريق الوطني مقبل على تصفيات المونديال سيكون وبالها وخيما علينا، وقلت بأن وحيد بحاجة إلى أن يأتي إلى الصحفيين في ندوة مصارحة ليضعهم بشكل علمي ومن دون مزايدات كلامية ومن دون تحنيط لغوي، أمام ورشه التقني، ما الذي أنجز؟ وما الذي سينجز؟ وما الذي تعطل إنجازه؟، إلا أنني للأمانة صعقت لهذا الكم الهائل من الحماقات التي جرى تصديرها، ولهذه الثرثرة التي لا يقبل بها أي منطق، بل إنني أيقنت أن وحيد جاء لهذه الندوة وليس على لسانه أي لجام، والنتيجة المؤلمة أنه لم يصن الود، بل افترى على المغاربة وعلى الإعلام عندما ادعى أننا نكرهه، فكيف نكره من وضعناه على قمة الهرم التقني مشرفا على فريقنا الوطني؟ لا أستطيع أن أعد أو أحصر عددا، للملاسنات والصدامات التي حدثت بين الإعلام وبين ناخبين وطنيين على مدى أربعة عقود من العمل الإعلامي، ولكنني أستطيع أن أبين للسيد وحيد أننا ما كرهنا يوما أحدا من الناخبين الوطنيين، كنا نختلف معهم بل ونتعارك معهم من دون التفريط في أخلاق وقيم المبارزة الإعلامية فلا وجود للكراهية في علاقاتنا الإنسانية، وكثير منهم تحدثوا ذات وقت عن أنهم ذهبوا ضحية سلخ إعلامي مبرمج، لكن ما قرأته وما أطلعت عليه وما سمعته في منصات النقاش العمومي، لم يكن لا قليله ولا كثيره، يفرض أن يصمم وحيد خرجة إعلامية كهاته ليفجر أمامنا، وليصدمنا بحقائق كنا نظن أنها من صنع تجار الفتنة، وليصارحنا بعداء غير موجود إلا في مخيلته، فإن ظن وحيد أن كل من خالفه الرأي وكل من عارض اختياراته من دون أي تأثير على قراراته هو عدو له، فإنه للأسف سيفتح جبهة على نفسه هو في غنى عن حرائقها، لذلك كنت أتمنى لو يعض بالنواجد على حكمة الصمت بدل أن يجاهر بكلام لا يقبله العقل. تمنيت لو أنه جاء ليقول خيرا أو ليصمت..