لماذا يوصف الجمع العام الأخير للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم بالإستثنائي والتاريخي، برغم أنه بتعريف قانوني كان جمعا عاما عاديا؟
هل لمجرد أنه ينعقد في ظل جائحة غيرت الشيء الكثير من تضاريس الزمن الكروي العالمي قبل الوطني؟ أم لكونه بكل بساطة سيشكل فاصلا بين زمنين في تاريخ كرة القدم الوطنية؟ أم أنه يمثل انعطافة قوية في قوة مفعول القرارات التي يتم اتخاذها خضوعا لأحكام وضوابط الزمن الإحترافي؟
إستثنائية بل تاريخية هذا الجمع، في أنه ينقلنا إلى مراحل جد متقدمة في الحكامة تنتفي معها الصور البئيسة والمتجاوزة التي ظل يصدرها المشهد الكروي الوطني خلال فترة زرع البذرات الأولى للإحتراف، حيث كانت حكمة تأمين الإنتقال السلس والمرن والخالي من الأوجاع، تقتضي نوعا من الليونة في تنزيل القرارات.
وعندما تقطع كرة القدم الوطنية مع زمن الريع الرياضي، فإن ذلك يمثل استجابة لمعايير الإستعمالات الجيدة للحكامة في تدبير لعبة الملايين، ويخضع لأحكام التدبير المعقلن الذي لا يرهن الأندية برؤساء يقبضون على الكراسي وإن دعوا للتخلي عنهه، ساوموا بديون ثقيلة لا أحد يشكك في قانونيتها ما دام أنها حازت المصادقة من الجموع العامة للأندية، كما لا يقدر أحد على أن يرفع عنها شبهة أنها ديون مرتبة لقطع الطريق على من تطاوعه ملكاته وطموحه لركوب المغامرة.
ولابد هنا أن نفرق بين الوجه القبيح للريع الكروي وبين السخاء الكبير الذي أظهره مسيرون خلال عقود خلت في قيادة أنديتهم، يوم لم يكن هناك لا مستشهر ولا محتضن إلا ما تجود به المكرمات وإلا ما يأتي به الشغف الذي أوصل بعض هؤلاء للإفلاس.
سنوات كثيرة مرت على كرة القدم كانت خلالها الأريحيات حاضرة بشكل كبير لمعاونة الفرق على كسب رهان البقاء، بل لم يكن ممكنا في ظل انسداد مجالات التسويق، أن نتصور فريقا من دون مسيرين ينتحرون من أجل أن يضمنوا له لقمة العيش، إن لم يستنزف جميعهم رزق الأولاد، جالوا بين الشوارع طالبين العون من الذين عرفوا بسخائهم مع الأندية الرياضية، ومنهم من نعث بحامل ل«الصينية»، إلا أن ما سيكون بعد ذلك حضور مستهجن للريع الكروي وتحقير لمبدأ التضامن الجماعي من أجل إغاثة الأندية، بخاصة لما حضر جيل من الرؤساء حولوا هذا الريع إلى حبل يخنق الفرق، مع أن البشارات الأولى كانت تقول إن هذا الريع هو طوق نجاة لها.
بعد اليوم، وكما قال فوزي لقجع رئيس الجامعة بلغة يفهمها الجميع «الريع تسالا، واللي بغا يسلف الفريق كثر الله خيرو، ولكن ذلك لن يعتبر قرضا متأخر الدفع»، أو لجاما يمسك به هؤلاء ليذلوا الفريق وكل من اقترب منه طلبا في رئاسته.
والحقيقة أن القانون المصادق عليه داخل الجمع العام بقوة نافذة وسيادية، يأتي متناغما مع إحلال الشركات الرياضية كنمط متقدم في تدبير الأندية وتجويد حكامة تسييرها، فمع وجود هذه الشركات الرياضة الخاضعة للضريبة والعاملة وفق أعراف تجارية صارمة، لا يمكن إطلاقا الحديث عن الريع الرياضي، بل عن رؤوس أموال يتم تعزيزها وحقنها وتوظيفها بطريقة مشرعنة بحسب الوضعيات المالية التي تمر منها الشركة الرياضية لهذا النادي أو ذاك.
ومع الحرص الكبير على تنظيف المشهد الكروي من كثير من المعطلات الكبيرة للحكامة، فإن الجامعة ستتقدم خطوة أخرى على درب درء المفاسد الكروية، بتضييق الخناق على الأندية لكي لا تنجر وراء التنطع عند إنجاز الصفقات، فأن يكون اللاعب قادرا على فسخ عقده مع فريقه إذا لم يتوصل منه بأجرة شهرين لا أكثر، معناه أن تربط الأندية نفسها بالإلتزامات التي تنص عليها العقود، وبأن تفكر الف مرة قبل أن تبرم عقدا بأي قيمة مع لاعب أو مدرب، لأن أي خطأ في تقدير عواقب عدم الوفاء بالعهود والعقود سيحرم الفريق من الدخول إلى الميركاطو، بل سيعرضه لغرامات مالية تنهك الخزينة.
ويأتي ربط استثنائية الولاية الثالثة لرئيس الجامعة بوجود هذا الأخير داخل منتظم كروي قاري ودولي، ليشرعن النجاح الذي يحققه اليوم فوزي لقجع في تنزيل عديد الأوراش الثقيلة التي تجعل اليوم من النموذج الكروي المغربي الأكثر رقيا ونضجا في محيطه الإفريقي، كما يجسد اقتناعنا جميعا من أن الرجل ماض في نقل كرة القدم المغربية إلى مصاف الكرات المهيكلة والمنظمة والقائمة على ركائز الإحترافية والحكامة والشفافية، والحال أن الهوامش الباقية في هذه الورش الضخم تستوجب استمراراه على رأس الهرم الكروي لأربع سنوات قادمة، والأمر شورى بين الأندية المالكة للقرار..