مهما كانت الزاوية التي سنقف عندها لنفكك ونحلل ونستقرئ المرامي والغايات وحتى السياقات التي تأسس عليها محسن ياجور، وهو يخرج بتصريحات استغلت من طرف البعض بأسوإ صورة، ليتم الترويج لها بشكل كبير في مواقع التواصل الإجتماعي، وتكون طوق إدانة لف حول عنق ياجور وأوقعه في المحظور وفي كل الذي تنهى عنه ضوابط وأخلاقيات التعاقد بين اللاعبين ونواديهم وبين الأجراء وأرباب العمل، فقطعا لن نستطيع الإنتصار لرأيه ولكل الذي قاله مستهدفا فريقه النهضة البركانية، ولن نستطيع بموازاة ذلك أن نبرئ ساحته، لأن فعل الخروج عن النص ظاهر وغير مستتر، مثبت لا نقض له. وحتى لو فرضنا أن الذي قاله محسن ياجور عن تأخر حاصل في سداد المستحقات داخل النهضة البركانية، حقيقة لا تكذبها الوقائع، فإن مقاسمة هذه الحقائق مع عموم الناس، يعتبر إفشاء لسر مهني وتشويشا على الفريق وإذاية له، ولو عدنا لمضمون كل العقود المبرمة بين اللاعبين والأندية لوجدنا أن هناك فصولا تنهى عنها، ولا أحد على الإطلاق يعذر بجهله للقانون. مؤكد أن ما عرفته لسنوات طويلة عن محسن ياجور، من تواضع ودماثة أخلاق واحترافية في تدبير العلاقة مع الأندية التي تعاقب عليها، يجعلني على قدر استغرابي من أن يكون ياجور قد أوقع نفسه بكل هذه الرعونة في المحظور، أشفق عليه لأنه بكل الأحوال شخص منزه عن كل التقديحات التي بالغ في إطلاقها بعض الشامتين، بخاصة أولئك الذين نالوا منه بطريقة أو بأخرى. ولأن مرجعية وخبرة وقيدومية ياجور لا تساويه في فداحة الخطإ المهني مع أي لاعب ناشئ، نيئ ومتنطع ولم ينضج بعد في فرن الإحتراف، فإنه يعرف أن الذنب وقع عليه وأنه برغم كل التبريرات التي يكون قد قدمها للجنة التأديبية للنهضة البركانية التي استمعت إليه يوم الثلاثاء الأخير، دفاعا عن صحة ما كشف عنه في التصريحات المومإ إليها، فإن هناك لجاما قانونيا يمسك عادة بالألسنة ولا يتركها تطلق الكلام والحقائق على عواهنها أو مقاسمتها مع الرأي العام الرياضي وهي مكفولة بقوة القانون للأطراف المعنية ولا يمكن أبدا إفشاؤها. ويحيلني هذا الذي تورط فيه محسن ياجور وأنا من عرفته محسنا للناس ولنفسه وللأندية التي حمل قميصها، على مجموعة حقائق مؤلمة، تقول بأن أكثر لاعبينا لا يجيدون تحكيم عقلهم ومصلحتهم ومعيشهم الكروي عند تدبير علاقاتهم الإحترافية مع النوادي التي يرتبطون بها. ومن أفظع هذه الحقائق أن اللاعبين لا يملكون مستشارين قانونيين برغم أن بعضهم يوقع بمبالغ مالية كبيرة ومحترمة جدا، فالإستشارة لا تتوقف أبدا عند المفاضلة بين العقود، لأن هذه مهمة وكيل الأعمال، ولكن تتعداها إلى تقيد اللاعب بأحكام وضوابط ونواهي العقود الإحترافية التي يتم التوقيع عليها والتي يعمد الإتحاد الدولي لكرة القدم على تنقيحها من فترة لأخرى تفاعلا مع ما يندلق من ممارسات وما يستجد من اختلالات وتجاوزات في بناء العقد قانونا والإحتكام لأحكامه. وللأسف فإن علاقة بعض اللاعبين بوكلاء الأعمال لا تتجاوز فترة الميركاطو بما لها وما عليها، فلا يحصل اللاعب من وكيله على تأطير ومقاسمة ومصاحبة على طول الموسم وبخاصة في الفترات العصيبة التي يمر منها اللاعب، هذا إذا لم يلجأ اللاعب إلى اصطحاب أحد أفراد عائلته ضدا على القانون لينال حصته من الكعكة، من دون أن ينتبه لجسامة وخطورة مضامين العقد الذي يوقع عليه، والذي لا يهمه منه إلا الجانب المالي. وكثيرون هم اللاعبون الذين لدغوا لمرات من جحر عقود وقعوا عليها من دون أن يكلفوا أنفسهم عناء التدقيق في نصوصها لمعرفة ما لهم وما عليهم. قطعا لا نية لي أبدا أن أحشر محسن ياجور في زمرة هؤلاء الغافلين عن حبال من نار ربطوا بها أعناقهم وهم لا يشعرون، لمعرفتي بأنه لاعب تمرس بهكذا ظروف وأصبح قادرا على التمييز بين الأشياء، حتى لو أن لسانه الذي لم يصنه تحت أي ظرف، جر عليه ما هو أصلا في غنى عنه، إلا أنني تحينت فرصة هذا العارض القانوني والأخلاقي، لأضع اللاعبين أمام مسؤوليات قانونية تنطوي عليها العقود التي يبرمونها والتي لا يهتمون فيها إلا بالبند الذي يتكلم عن المستحقات المالية، أما الواجبات والنواهي والإشارات الحمراء فإنهم يمرون عليها مرور الكرام بل لا يقرؤونها أصلا، لأن الوكلاء الذين ترافعوا من أجل إبرام تلك العقود تبخروا في الهواء بمجرد الحصول على نسبتهم.. عيدكم مبارك سعيد.