من يظن أن الوداد والرجاء وقد توحد طريقهما نحو المربع الذهبي لمسابقتي عصبة الأبطال وكأس الكونفدرالية، قد باعا بالفعل جلد مولودية الجزائر وأورلاندو بيراتس بتعادلهما إيجابا في معقل المنافس، وأن مباراة العودة لكليهما ستكون بمثابة إنهاء لمهمة وإتمام لعمل أنجز الشيء الكثير فيه بالجزائر العاصمة وبجوهانسبورغ، فهو آثم في ظنه لأن كرة القدم علمتنا ألا يجب مطلقا اتقاء شر الإنقلابات التي تحدث عادة في مشاهد الإياب، عندما تنزل المفاجآت كالصواعق فلا تبقي رأسا على كتف.
مؤكد أن الوداد والرجاء البيضاويين، قد أمنا بشكل كبير مخاطر الذهاب خارج القواعد وحققا أجمل ما في التعادلات، ونجحا في التسجيل بملعبي المنافسين، ولا خلاف أيضا على أن الفرسان الحمر والنسور الخضر تفوقوا أداء وليس نتيجة على مولودية الجزائر وأورلاندو بيراتس، وأن كليهما تجرع نصيبه من مرارة الأخطاء التحكيمية، إلا أن التسليم بأن جولة الإياب هي مجرد تحصيل حاصل، هو أشبه ما يكون بالإنتحار وقوفا، لأن المنافس سيأتي إلى الدار البيضاء متحللا من كل ضغط، يعرف جيدا أنه يحتاج للتسجيل وسيفعل ما يستطيعه من أجل أن يهز الشباك، كما أن في الذاكرة العالمية التي تضج بما لا يعد ولا يحصى من المباريات، ما يحيلنا على وضعيات غريبة، توهمت أندية ومنتخبات أنها دقت آخر مسمار في نعش المنافس خلال مباراة الذهاب، وفي مباراة الإياب خرج ذاك المنافس من النعش، فحطم المرايا والأرقام والمعادلات وقلوب من تغنوا بالنصر وهو كالعصفور فوق الشجرة لا تطاله اليد.
في مباريات ذات طابع مغاربي، وأمام فريق من طينة مولودية الجزائر الذي تدل الأرقام والإحصائيات على أنه كلما سافر إلا وكان زاده التحدي، لا يمكن بالقطع الإحتكام إلى ما شاهدناه في مباراة الذهاب، فقد ظهر واضحا بملعب 5 جويلية أن من كان الأكثر نضجا واستحواذا بل وصناعة للفرص هو الوداد البيضاوي، لكن في مقابل ذلك ظهر أن من يقبل بالإنزواء إلى الخلف والتكوم في منطقته الدفاعية ولا يضيره أن يتلقى الكدمات ولكنه يجيد الضرب المبرح تحت الحزام هو مولودية الجزائر، لذلك فإن «الشناوة» سيأتون إلى الدار البيضاء ليقولوا لأنفسهم ولنا جميعا أنهم إن أكرهوا على بيع جلدهم ب«دونور» فإنهم حتما سيبيعونه غاليا، لذلك سيكون من العبث القول بأن الوداد البيضاوي يكفيه اللعب على التعادل الأبيض، وأنه لن يكون بحاجة للإندفاع وللإرتماء نحو الهجوم، وما إلى ذلك من التنبؤات التي لا تصمد أبدا مع تقلبات المباريات ولدغاتها المؤلمة.
يجب أن يلعب الوداد كما هي عادته، بعقليته الإنتصارية، ويظهر رغبة جامحة من أجل تحقيق الفوز حتى لو كان التعادل سلبا يكفيه للعبور إلى الدور نصف النهائي، وإن اختار الوداد اللعب على سجيته وطبيعته وله ما يكفي من ملكات الخلق والإبداع لتحقيق ذلك، فإن ذلك لا يعني أن يكشف خط الظهر، ولا أن يتورط في مسلسل من الرعونة والحالات السلبية التي يبغضها أي تنظيم تكتيكي جيد.
وعلى نفس الهدي سيسير الرجاء، مقتنعا كل الإقتناع أن ما أنجز في فصل الذهاب بالتعادل إيجابا أمام أورلاندو بيراتس، ليس إلا نصف مهمة، ويبقى النصف الأهم الذي يضع الخواتيم لهذه المرحلة المتقدمة في بناء صرح الحلم الإفريقي، هو مباراة الإياب بكل ضغطها النفسي وحمولاتها التكتيكية.
فإن بدا لنا في مباراة الذهاب وعلى فترات أن الرجاء البيضاوي متى تطابق مع نفسه ومع ممكناته البشرية، متى كان صلدا وقويا ومنيعا على المنافس، فإن ما كان في الجولة الأولى مع الدخول المتعسر للنسور، مؤشر على أن أورلاندو بيراتس طائر جارح، وترويضه يحتاج من النسر الأخضر إلى براعة كبيرة في التحليق وفي الإحتواء.
وكما أن الفرح بالتأهل للمربع الذهبي يبدو على مسافة منظورة بالعين المجردة، لقيمة الرجاء ولمناعته على أرضية مركب محمد الخامس، لا لتعادله الإيجابي فقط بجوهانسبورغ، فإن أي شيء آخر لا قدر الله سيكون غمامة قادمة من الجنوب، إن استأسد الرجاء في إيابه جعلها غمامة صيف لا تمطر، وإن تهاون في الحسم، جعلها غمامة ترمينا بالطوب والأحجار والعياد بالله.
بالتوفيق للفرسان الحمر وللنسور الخضر، في واحدة من أجمل ليالي العمر.